قم بمشاركة المقال
"ملايين الأطفال في مصر محرومون من أن يكونوا أطفالاً" هكذا يمكن تلخيص ظاهرة عمالة الأطفال التي باتت جزءاً لا يتجزأ من الواقع المصري، ففي كل مكان بلا استثناء هناك "بِلْية" (كُنية شهيرة للطفل العامل عند عوام المصريين) المسخَّر منذ الصغر في أعمال شاقة.
وعلى الرغم من الاتفاقيات التى وقَّعت عليها مصر وتحذير المنظمات المعنية بحقوق الطفل من دفع الأطفال نحو سوق العمل مبكراً، لا يبدو أن هذا الملف سيغلق في القريب العاجل تحت ادعاءات جاهزة معلبة بأنهم يتعلمون "صنعة" بينما وضعهم من سيئ إلى أسوأ.
اقرأ أيضاً
مستقبل قاتم ينتظر ما لا يقل عن ثلاثة ملايين طفل في مصر بسبب العمل في سن صغيرة في مناخ يسلبهم طفولتهم وصحتهم وأرواحهم أيضاً، والجميع يغض البصر عنهم ولا تستيقظ ضمائرهم إلا عندما تقع كارثة مثلما حدث مؤخراً عند سقوط سيارة تقل 24 طفلاً في مياه نهر النيل، خلال عودتها إلى القرية التي يقطن بها الضحايا الذين يعملون في مزرعة دواجن بإحدى قرى محافظة المنوفية شمال غرب القاهرة بدلتا مصر، نظير مبلغ يتراوح بين 30 و50 جنيهاً مصرياً (1.90 دولار – 3.20 دولار) يومياً، حيث توفي 7 أطفال، بينهم ثلاثة أشقاء، وأُصيب خمسة عشر بإصابات مختلفة.
اقرأ أيضاً
حاول "عربي بوست" من خلال هذا التقرير تسليط الضوء على هؤلاء الأطفال وتواصلت مع إحدى أسر الضحايا، الذي طلب عدم ذكر اسمه خوفاً من معاقبته وحجب الإعانة التي أقرها الرئيس المصري لتعويضهم، والتي وصفها المهندس محمد ربيع، منسق عام حياة كريمة بالمنوفية، بـ"الكبيرة" حيث تُقدر بـ120 ألف جنيه أي ما يعادل 7600 دولار لكل روح.
قال والد الطفل المتوفى إن قلبه ينفطر حزناً على ابنه الصغير، وكان يعول أمه وأخواته، والأكثر إيلاماً أنه بسمع خبر ابنه عندما كان التليفزيون المصري ينقل الاستعدادات الضخمة التي تكلفت مئات الملايين من الجنيهات لدعوة شباب العالم إلى مؤتمر شرم الشيخ، بينما خرج طفله مع شروق وندى ودعاء وزينب وزكريا ومحمد وهاجر وسعيد وأطفال آخرين لا يتجاوز عمر أكبرهم 15 عاماً، من منازلهم في "عز" البرد للعمل بإحدى المزارع.
اقرأ أيضاً
يتساءل الرجل: أليس أبناؤنا أولى بتلك الأموال، هل فكر المسؤولون كم من الأرواح يمكن أن يتم إنقاذها لو توفرت لهم أموال كهذه؟
وأنهى كلامه ضارباً كفيه ببعض: "لو كان الفقر رجلاً لقتلته، لكنه هو من يقتل أبناءنا وأخرجهم في هذا العمر للعمل بحثاً عن جنيهات قليلة، هو لازم ولادنا تموت علشان يحسوا بينا، لو كانوا ساعدونا ما كُنتش خليته يخرج يشتغل".
اقرأ أيضاً
أما أم شروق ياسر التي انتظرت أسبوعاً كاملاً كي تطفو جثة ابنتها فوق مياه النهر، فلم يفارق لسانها جملة: "عاشت شقيانة وماتت غرقانة"، حيث خرجت ابنتها للعمل من أجل توفير مصاريفها لاستكمال تعليمها ودفع مصروفاتها.
شهداء لـ"لقمة العيش"
لم تكن حادثة "المعدية" هي الأولى ولن تكون الأخيرة، وتؤكد كل المؤشرات تفاقم أزمة عمالة الأطفال في مصر، رغم أنها كانت بين أوائل الدول العربية والشرق أوسطية التي أدخلت حقوق الطفل في قانون خاص أدرجته في دستور عام 2008، بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية.
ووقَّعت على الاتفاق الدولي لحقوق الطفل، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 138 لتحديد الحد الأدنى لسن الالتحاق بالعمل، وحظر أسوأ أشكال عمالة الأطفال.
وأطلقت مصر عام 2016 بالتعاون مع منظمة العمل الدولية الخطة الوطنية لمكافحة عمالة الأطفال في البلاد، ودعم الأسرة تمهيداً للقضاء بالكامل على تلك الظاهرة بحلول عام 2025، من خلال اتخاذ تدابير فورية وفعّالة للتصدي للسخرة وإنهاء الرق المعاصر والاتجار بالبشر.
ومع مرور أربع سنوات على إطلاق هذه الاستراتيجية لم تتوفر إلى الآن بيانات رسمية عن عدد الأطفال الذين تمت حمايتهم وعودتهم للتعليم، وكل ما يتوفر لدينا كصحفيين لا يبشر بالتخلص من الظاهرة في وقت قريب، بل على العكس بِتنا نستيقظ على رنين الهاتف لتغطية حادثة هنا أو هناك لأطفال في عمر الزهور، وتنوعت الحوادث بين سُخرة واستغلال وقتل وموت رخيص وتحرش وأمراض.
ومن المؤسف أنه في الطريق لتغطية الحوادث يقابلنا على طول الطرق في المحافظات المصرية سيارات نصف نقل تخبرنا بأن هؤلاء الأطفال ليس لهم قيمة، حيث تحمل على سطحها عشرات الأطفال الصغار بنين وبنات يجلسون متواجهين على ظهرها أو على سورها تتراوح أعمارهم بين السادسة والخامسة عشرة يكسو وجوههم النعاس ملتحفين بغطاء لرؤوسهم ووجوههم ويتكومون بأجسادهم الهزيلة على بعضهم البعض يلتمسون الدفء منكمشين أمام لفحات صقيع الشتاء القارس وهم في الطريق إلى أعمال شاقة تسلبهم طفولتهم، ويمرون على أكمنة ودوريات شرطة دون إثارة انتباهم أو فضولهم.
وليس غريباً أن يتحول هذا المشهد العبثي إلى مأساة يقف فيها الأهالي مكتوفي الأيدي لاستلام جثث أطفالهم أو المصابين منهم، فقد شهد نهاية العام الماضي انقلاب سيارة ربع نقل بوصلة الدواويس بطريق "القصاصين – القاهرة بمحافظة الإسماعيلية"، خلال ذهابهم لمزرعة جنى البصل، وأسفر الحادث عن مصرع طفل 13 عاماً وإصابة 25 آخرين بينهم 19 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 10 سنوات و15 سنة.
وفي أبريل/نيسان الماضي 2020 انقلبت سيارتان ربع نقل وعليهما 44 طفلاً، كانتا مخصصتين فى الأساس لنقل المواشي، في مدينة أبوتشت شمال قنا، من أبناء مركز البلينا بمحافظة سوهاج، وهم فى طريقهم للعمل فى حقول القصب بشمال قنا مقابل 20 جنيهاً فقط للفرد.
أما محمود علاء، الذي لم يتخطَّ الـ11 عاماً من عمره، لم يكن يعلم أن يد الغدر ستكون في انتظاره عندما خرج صباحاً من كفر قنديل، هذه القرية الهادئة على ضفاف نهر النيل بمدينة أطفيح جنوب الجيزة، للعمل على التوكتوك الذي استأجره، وهو في سن صغيرة من أجل مساعدة والده على أعباء المعيشة بعدما تعرض لحادث جعله طريح الفراش.
وباتت حكاية الطفل على ألسنة المواطنين، فبينما كان أحد الخفراء يتفقد مقابر أطفيح، عثر على الطفل الذي بدا أنه نائم في البداية، لكن بالاقتراب منه وجده مشنوقاً، وتبين أن وراء ارتكاب الجريمة عاطلاً استدرجه وقتله بالمقابر خنقاً وسرق التوكتوك الذي كان يعمل عليه.
وتسبَّب عمل إسلام لطفي، ابن مدينة ههيا بمحافظة الشرقية، في سن صغيرة في ذبحه بسلاح أبيض "كتر" من جانب ثلاثة من أصدقائه لسرقة التوكتوك الذي كان يعمل عليه بعد يومه الدراسي بأجر من صاحبته.
وهناك حسين عبد الله، 13 سنة، من أبناء قرية القصر شرق النيل بمركز نجع حمادي في محافظة قنا، عمل في بيع الجرجير منذ سنوات عديدة ليُساعد والده؛ حيث يذهب إلى الشادر ويجلب كمية من الجرجير يبيعُها وهو يتنقل بعربته الخشبية في الشوارع، إلا أنه خرج في أحد الأيام ولم يعد، وعند البحث عنه وجدوه مذبوحاً ومُلقى بأحد الحقول الزراعية المجاورة لقريته، أما محمود وائل صديق، 15 عاماً، فكان شهيداً لآلة عصارة قصب، التهمته أثناء عمله عليها بقرية أولاد نجم بنجع حمادي.
أطفال يعملون بمكامير الفحم رغم خطورتها
يقول باحث بمركز البحوث الاجتماعية، لـ"عربي بوست"، إن أصحاب العمل غير المسجلين يعتمدون على الأطفال القُصَّر، لأن أجورهم أقل بكثير من البالغين، حيث تعتمد عشرات الآلاف من المصانع والورش غير المصرح بها عليهم، فضلاً عن عملهم بأعمال تصنف بأنها "خطرة" كالعمل فى مصانع الألمنيوم وورش الخراطة والدباغة والمعادن والمحاجر والمكامير وغيرها.
تشير هيئة "أرض البشر" في تقريرها "واقع الأطفال العاملين في مصر" إلى أن 34.7 في المئة من الأطفال يعانون من الأعمال الشاقة، وحوالي 29.8 في المئة يشكون من زيادة ساعات العمل لتتجاوز 43 ساعة أسبوعياً، فضلاً عن كثرة تعرّض 13 في المئة من الأطفال للكيماويات والمبيدات الحشرية، خصوصاً في العمالة الزراعية.
كما كشف التقرير أن 52 في المئة من عمالة الأطفال في مصر غير مدفوعة الأجر، حيث تستخدم الأسر أبناءها في قضاء أعمال المزارع الخاصة بها أو خدمة الماشية التي تحوزها، بالسخرة تحت مسمّى المساعدة العائلية.
ورصد "عربي بوست" أطفالاً كثراً بمحافظتي القليوبية والشرقية يعملون في مكامير الفحم البدائية بعيداً عن عين الحكومة التي تجرم تلك المكامير، خاصة أنها لا تطابق المواصفات البيئية وتضر البشر والحجر والنبات، وبالرغم من ذلك يستخدم أصحابها الأطفال الفقراء لحرق الأشجار وتقليبها ورصها لإنتاج الفحم، ويتعامل صاحب المكمورة معهم كعمالة رخيصة ومتوفرة ويستغلهم في إنجاز أعمال كثيرة مقابل أجور زهيدة.
منير طفل في السابعة من عمره يكسو ملامحه السواد، ويعمل منذ عامين مع أصدقاء في عمره في مكامير الفحم المنتشرة بمحافظة الشرقية، كما قال لـ"عربي بوست"، مشيراً إلى أنه يحصل على يومية 15 جنيهاً (أقل من دولار) مقابل عمله من السادسة صباحاً حتى الخامسة عصراً، وإن انتبهت الحكومة وموظفو البيئة للمكمورة وأغلقتها يعملون في الفترة المسائية.
لم يكن الطفل مستعداً لأن يتلقى محاضرة، كما يقول، عن مخاطر العمل في حرق الأشجار لإنتاج الفحم فهو يعرفها جيداً، حيث توفي والده بسرطان الرئة نتيجة لعمله في المكامير، وهناك أصحاب له يعملون معه ومصابون بأمراض صدرية ورئوية. وَهَمْهَمَ الصبي الصغير بكلام غير مفهوم استوضحنا منه عبارة "تعالوا عيشوا عيشتنا وانتو تعرفوا إن اللي رمانا على الهباب (الأدخنة السوداء المنبعثة من حرق خشب الأشجار) هو سواد الأيام كله هباب".
أرقام متضاربة لتجميل صورة الحكومة
حاول "عربي بوست" الحصول على إحصائيات لتقف على حجم عمالة الأطفال، لكن المفاجأة أن الجهات الرسمية المعنية بمثل تلك الإحصائيات ليس لديها بيانات منذ منذ أكثر من عشر سنوات، وعندما سألنا مصدراً مسؤولاً بجهاز التعبئة والإحصاء برر ذلك بأن كثيراً منهم ينتمون للقطاع الاقتصادي غير الرسمي، ولا يمكن حصرهم.
وبالمثل لا توجد مظلة حقوقية يمكنها تتبع الأطفال وظروف تشغيلهم والأعمال التي يقومون بها، كما يوضح عضو بمنظمة حقوق الإنسان (غير حكومية) لـ"عربي بوست"، لذلك يصعب تقدير أعداد الأطفال العاملين وعدد ساعات عملهم يومياً.
ويوضح أن تقرير منظمات حقوق الإنسان المصرية غير الحكومية الذي عرض أوائل تشرين الثاني/نوفمبر 2014 في جنيف ضمن آلية العرض الشامل للوضع الحقوقي في مصر أمام الأمم المتحدة، أشار إلى تقديرها بحوالي 2.7 مليون طفل عامل، وهو ما يقارب ضعف الرقم الرسمي الذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حتى 2014 (حوالي 1.6 مليون طفل عامل).
ويشير المصدر إلى أن العدد الأقرب للحقيقة يزيد عن ثلاثة ملايين طفل عامل، وهناك دراسة أعدها مركز "الطفل العامل" قدرت حجم عمالة الأطفال في مصر بنحو 3 ملايين طفل، كما يتعدى عدد ساعات العمل التي يقضيها هؤلاء الأطفال في العمل أكثر من 9 ساعات يومياً في المتوسط، وأكثر من ستة أيام في الأسبوع.
ما الذي يدفع الأطفال مبكراً لسوق العمل؟
بغضّ النظر عن الأرقام المعلنة وغير الحقيقية يبدو للمُعاين كما يقول المصدر أن تلك الأعداد تضاعفت في السنوات الأخيرة نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي، والذي تفاقم مع جائحة كورونا بعدما تركت ملايين الأسر تحت مقصلة الفقر.
وتشير دراسة عن ظاهرة عمالة الأطفال في مصر أعدتها سحر عبد الستار إمام، أستاذة القانون ومقررة المجلس القومى للمرأة بمحافظة المنوفية، إلى أن سوء الأحوال الاقتصادية وعدم الثقة في النظام التعليمي وتزايد نسبة البطالة بين المتعلمين، شجع الأسر على الدفع بأبنائها في سن مبكرة للخروج لسوق العمل وأصبحوا بمثابة طوق نجاة لأسرهم، رغم المخاطر التي يتعرضون لها صحياً واجتماعياً، في ظل غياب الرقابة القانونية والمجتمعية على أرباب الأعمال.
وأصدرت وزارة التضامن الاجتماعي تقريراً بالتعاون مع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في ديسمبر/كانون الأول 2017، تحت عنوان "فقر الأطفال متعدد الأبعاد في مصر" تحدث عنَ معاناة 10 ملايين طفل مصري من الفقر.
يقول مصطفى. س عضو بشبكة الدفاع عن الأطفال إن الأرقام التي تعلنها الحكومة حول عمالة الأطفال غير دقيقة، نتيجة عدم رصدها للأطفال العاملين في الريف والمنضوين في مشاريع خاصة بالأسرة نفسها.
ويشير العضو إلى أن غياب الرقابة والتفتيش من قبل وزارة القوى العاملة على أصحاب الأرض سواء عقوبات مالية أو الحبس أفسح المجال لمقاولين الأنفار بجميع المحافظات وفي الريف المصري، لاستعبادهم، حيث يعطون الأب مبلغاً من المال مقابل عمل الطفل في أماكن خطيرة وبعيدة عن الأعين.
ويقول بانفعال: "الحكومة تريد أن تلمع صورتها أمام العالم لذلك قامت بتحجيم جهود مؤسسات المجتمع المدني حيال هذه القضية حتى لا تفضح الانتهاكات التي تتم تجاه أطفال مصر، ووصل الأمر إلى المحاسبة والمراقبة على التقارير التي تقوم بها تلك المؤسسات، والتنكيل بها في حال مخالفتها للتوجهات الرسمية والخطوط التي ترسمها لها الحكومة".
يضيف العضو: المشكلة أن تحجيم مؤسسات المجتمع المدني رافقته سلبية المجلس القومي للطفولة والأمومة وتخليه عن استقلاليته، بعدما أصبح تابعاً لإشراف وزارة الصحة، بل إن مهامه اقتصرت على إصدار البيانات والشجب والإدانة بينما كان دوره الأساسي هو رسم السياسات ووضع استراتيجيات لحماية الأطفال، والرقابة على الجهات المعنية بحماية الطفل وحفظ حقوقه المنصوص عليها في الدستور، هذا بالاضافة إلى أن خدمة الخط الساخن لنجدة الطفل والإبلاغ عن الانتهاكات التي تُمارس بحق الطفل "مرفوع مؤقتاً من الخدمة"، فلا تتم الاستجابة للشكاوى إلا بعد بعد فترة طويلة جداً والمحصلة النهائية أن هناك اتفاقيات دولية وترسانة تشريعية لحماية الأطفال لكنها "صورية" غرضها تجميل الصورة٠
يظهر ذلك جلياً في تناقض المشهد الرسمي فيما يخص عمالة الأطفال؛ فالحكومة تصرح أنها ستقضي على ظاهرة تشغيل القُصّر بحلول عام 2025 وشكلت وزارة القوى العاملة لجنة مع مكتب منظمة العمل الدولية في مصر لتنفيذ الخطة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال.
في الجانب المقابل يسير البرلمان في اتجاه تقنين وضع الطفل العامل، حيث وافق أعضاء مجلس الشيوخ المصري منذ أيام على المواد المنظمة لعمل الأطفال ضمن قانون العمل الجديد، وهو ما اعتبره البعض ترسيخاً لانتهاك حقوق الأطفال وتقنين للوضع وليس القضاء عليه، حيث شملت المواد- التي وافق عليها النواب- حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغ 15 عاماً، مع جواز تدريبهم حتى يبلغوا 14 عاماً مع إلزام صاحب العمل الذي يستخدم من هم دون الـ16 بمنحهم بطاقة تفيد عملهم لديه.
فتِّش عن الفقر
المثير أن الإعلام المصري دائماً ما يلقي اللوم على الأهالى عندما يتداولون عمالة الأطفال فيلقي كرة النار في وجوههم لأنهم ينجبون لكي يعمل أولادهم ويصرفوا عليهم.
لكن المتابع للوضع الاقتصادي الراهن يعلم جيداً أن ذلك يجافي الحقيقة وأن الغرض من ذلك هو غسل يد الدولة من دم هؤلاء الأطفال، فهناك دراسات عديدة تشير إلى أن الفقر هو السبب الرئيسي في انخراط الأطفال في سوق العمل، حيث قاومت الأسر تصاعد حدة الفقر عبر عمل الأطفال لزيادة الدخل كوسيلة للبقاء.
وتعترف وزيرة التضامن الاجتماعي المصرية نيفين القباج بأن عمالة الأطفال مرتبطة بقضايا الفقر والتسرّب من التعليم والتفكك الأسري والزيادة السكانية.
وعندما أطلقت مصر عام 2016 بالتعاون مع منظمة العمل الدولية الخطة الوطنية لمكافحة أسوأ أشكال عمالة الأطفال تمهيداً للقضاء بالكامل على ظاهرة عمالة الأطفال بحلول عام 2025، قامت في العام ذاته بتحرير سعر صرف الجنيه مما وضع 60% من المصريين تحت مقصلة الفقر، أو باتوا قريبين منه، وفقاً لتقارير دولية. وربط باحثون اقتصاديون عمالة الأطفال في مصر ولجوء أسر مصرية لتشغيل أطفالها إلى ارتفاع معدلات الفقر في البلاد. حيث بلغت نسبة الفقر في مصر 29.7% في عام (2019- 2020)، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
وقد أرجع الباحث الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة الأهرام السابق أحمد النجار عمالة الأطفال إلى الفقر و"سنينه السوداء" وكتب في منشور له على الفيسبوك أن بعضهم هو العائل الوحيد لأسرته. وأن منع عمالة الأطفال لا بد أن يقترن بكفالة الدولة لأسرهم الفقيرة وإلا فإن المنع يعني غلق سبل الحياة أمام تلك الأسر، مشيراً إلى أن حياة البشر أولى من التباهي بكتل الحجر التي اقترنت بديون هائلة لم تشهد لها مصر مثيلاً بعد أن بلغ الدين الخارجي 137.9 مليار دولار في يونيو/حزيران الماضي بعد أن كان 46.1 مليار دولار في يونيو/حزيران 2014، وارتفع الدين الداخلي من 1816 مليار جنيه مصري في يونيو/حزيران 2014 إلى 4742 مليار جنيه مصري في يونيو/حزيران 2020، وتوقفت الحكومة ومطبوعاتها عن نشر البيانات الأحدث عنه حتى لا نرى حجم ما وصلنا إليه من ديون نكبل بها الأجيال القادمة والرئيس القادم!.
عضو الجمعية القانونية لحقوق الأطفال والعائلات أكد لـ"عربي بوست" أن الحكومة لم تتخذ إجراءات فعلية لإنهاء عمالة الأطفال وأنها مسؤولة عن تفريخ جيل جديد مدمر نفسياً.
وقال بانفعال ظاهر: "الحكومة كل اللي يهمها جمع الأموال" مشيراً إلى أن مجلس الوزراء وافق على تغليظ عقوبة مخالفات تشغيل اﻷطفال لترتفع الغرامة من ألف إلى ألفي جنيه، مع تعدد الغرامة بتعدد العمال، ومضاعفتها في حالة التكرار ولم تضع في الاعتبار أن العمل تحت سن 14 سنة قسري ويدخل في الاتجار في البشر، ويجب أن يُمنع تماماً وتكون عقوبته الحبس.
واختتم حديثه متحسراً على تغير خريطة القرية المصرية وتدهور أحوال الفلاحين الذين كانوا يحاربون على تعليم أولادهم وإلحاقهم بكليات القمة، أما الآن فانغرسوا في وحل الفقر ليدفنوا أولادهم معهم أحياء أو شهداء للقمة العيش.