قم بمشاركة المقال
حالة من الغموض حول ما يتردد في أوساط سياسية مصرية عن أن حزب حماة الوطن، الذي يتشكل أغلب كوادره من رجال الجيش والمخابرات السابقين، دخل مرحلة التجهيز للحصول على دور أكبر في العملية السياسية في مصر، بدلاً من حزب مستقبل وطن، الذي يحوز الأغلبية في غرفتي البرلمان، ويعامل من المسؤولين باعتباره الحزب الحاكم المقرب من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وعلم "عربي بوست" من مصادره في لجنة الأحزاب المصرية، أن هناك نشاطاً ملحوظاً في الفترة الأخيرة، في الحصول على عضوية حزب حماة الوطن، الذي تأسس في أبريل/نيسان من عام 2014، مشيرة إلى التحاق عشرات من القادة السابقين في القوات المسلحة والمخابرات العامة والحربية بالحزب، الذي يعد رابع الأحزاب المصرية تمثيلاً في مجلس النواب بعدد 23 مقعداً.
اقرأ أيضاً
نشاط حديث "غير اعتيادي"
حول تفسير تلك الخطوة وعلاقتها بما يقال عن تقدم الحزب إلى واجهة العملية السياسية في مصر خلال الفترة المقبلة، أكدت المصادر إنها لا تملك معلومات موثوقة حول هذا الأمر، كون عمل لجنة الأحزاب يقتصر على رصد النشاط المعلن للأحزاب المرخصة فقط، لكنه عاد للتأكيد على أن نشاط حركة العضويات الجديدة في حزب حماة الوطن لا يمكن اعتباره أمراً طبيعياً بالمرة، خصوصاً عندما يحدث هذا النشاط في وقت "ميت سياسياً" أي بعيد عن مواعيد الانتخابات البرلمانية مثلاً، وهي الفترة التي تشهد في المعتاد حراكاً ملحوظاً في إضافة أعضاء جدد أو انتقال أعضاء قدامى بين الأحزاب المختلفة.
اقرأ أيضاً
مسؤول سابق بجهاز سيادي قال في اتصال هاتفي مع "عربي بوست"، إن هناك تهافتاً من المئات على الالتحاق بحزب حماة الوطن بالفعل في الأسابيع الأخيرة، بل إن لديه معلومات موثقة بأن هناك العشرات من أعضاء الأحزاب المصرية الأخرى، ومنها حزب مستقبل وطن نفسه، ألغوا عضوياتهم في تلك الأحزاب من أجل الانضمام إلى الحزب الذي يمكن وصفه بأنه ممثل القوات المسلحة في العملية السياسية في مصر؛ نظراً لوجود عشرات من القادة العسكريين في قيادته، مشيراً إلى أن هناك همهمات تتردد داخل الغرف المغلقة للأجهزة السيادية حول ضرورة وجود حزب قوي ينافس حزب مستقبل وطن، ويشاركه النفوذ والسيطرة على غرفتي البرلمان، بعدما انحرف بعض أعضاء الحزب الأخير عن الصواب، والتفتوا لمصالحهم الخاصة، وهو ما أغضب الرئيس السيسي وعبّر عنه لرئيس جهاز سيادي مقرب منه.
الحصول على عضوية الحزب حالياً يحتاج إلى وساطة رجل عسكري!
لفت المسؤول إلى أنه ليس من اليسير على أي شخص عادي في مصر الحصول على عضوية حزب حماة الوطن، ولكن لا بد لمن يرغب في الانضمام للحزب أن تكون لديه واسطة من داخل القوات المسلحة، ويفضل أن يكون خارج الخدمة في الوقت الحالي، وذلك بعدما لاحظ قادة الحزب تهافت الآلاف للحصول على عضويته في الفترة الماضية، وهو ما فسره القادة بتهافت الطامعين في النفوذ والمصالح، بينما يسعى الحزب إلى تلافي أخطاء "مستقبل وطن" التي أغضبت رئيس الجمهورية نفسه، ولهذا هناك تدقيق شديد في طالبي الانضمام للحزب، والتأكد من خلفياتهم السياسية والاجتماعية قبل الموافقة على طلباتهم.
وحول مصير حزب مستقبل وطن في حال صحت الأنباء برغبة السلطة السياسية في مصر في دعم حزب حماة الوطن، قال المسؤول إن أحداً في الأجهزة السيادية المصرية لا يملك معلومات موثقة في الوقت الحالي عن مستقبل الحزب المهيمن على العملية السياسية، لكن ما يتردد أنه سيظل موجوداً وممثلاً في البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ، لكن مع تقليص سيطرته الحالية.
يذكر أن حزب حماة الوطن تأسس في أبريل/نيسان من عام 2014، قبل شهرين تقريباً، من انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر للمرة الأولى، في يونيو/حزيران من نفس العام، وذكرت لجنة الأحزاب في البيان الذي أصدرته للإعلان عن ترخيص الحزب أن أعضاءه المؤسسين ثلاثة من القادة العسكريين السابقين، هم اللواء فؤاد عبد العزيز عرفة، الذي يعمل خبيراً استراتيجياً وسياسياً منذ خروجه من الخدمة العسكرية، واللواء محمد أسامه أبو المجد، الذي شغل منصب عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب 2015، ورئيس الهيئة البرلمانية لحزب حماة الوطن، وأخيراً ناجي عبد العزيز محمد، الذي اختفى عن الأنظار تماماً بعد ذلك، ليظهر بدلاً منه الفريق جلال هريدي، قائد قوات الصاعقة الأسبق، الذي أصبح رئيساً للحزب فيما بعد، ولا يزال في منصبه حتى الآن، رغم بلوغه الثالثة والتسعين من عمره، ومعه اللواء أحمد العوضي، النائب الأول لرئيس الحزب، واللواء طارق نصير، الأمين العام للحزب، وكلهم من القادة العسكريين السابقين رغم أن أحد شعارات الحزب الظاهرة في صدر موقعه الإلكتروني أنه حزب الشباب المؤهلين لتسلم راية القيادة، بجذب المزيد من شباب مصر الأكفاء، ليكون الأكثر حداثة، والأحرص على امتلاك ناصية العلم والمعرفة، والأقدر على الانتشار والتقدم.
توجيهات أمنية بدعم حزب حماة الوطن
باحث بأحد المراكز الحكومية المصرية للدراسات فسر الإقبال غير الطبيعي على الانضمام لعضوية حماة الوطن في الفترة الأخيرة، قائلاً في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إن هناك توجيهات أمنية صدرت قبل شهور بدعم الحزب الذي يهيمن عليه قادة من القوات المسلحة والمخابرات الحربية، وقد تسربت هذه التوجيهات إلى كثير من المشتغلين بالعمل السياسي في مصر، وبالتالي كان من الطبيعي أن يسعى الكثيرون من أعضاء الأحزاب الأخرى للقفز من مراكبهم الحزبية، التي لا تجد مرفأً آمناً لها من أجل اللحاق بالحزب، الذي بدا أنه سيحظى بعناية رئاسية في الفترة المقبلة، ومن ثم يستحوذ على قدر أكبر من النفوذ والمناصب والمقاعد البرلمانية في الانتخابات المقبلة.
وعن تفسيره لدعم الدولة للحزب في هذا التوقيت، رغم إنشائه منذ 8 سنوات في نفس عام إنشاء حزب مستقبل وطن، قال الباحث إن هناك همسات متداولة في أروقة العمل الحزبي والسياسي، أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أبدى ملاحظات غاضبة على حزب مستقبل وطن، لعدد من المقربين له، في الفترة الماضية، ورأى أن قادة ذلك الحزب غير فاعلين بما فيه الكفاية ليكونوا أصحاب النفوذ الأكبر في العملية السياسية في مصر، إلى جانب تكدس التقارير الأمنية حول مخالفات تم رصدها لكثير من قادة الحزب، الذين انشغلوا بالبيزنس وتعظيم ثرواتهم على حساب العمل السياسي ودعم الرئيس، في نفس الوقت الذي أبدى فيه الرئيس إعجابه بدأب حزب حماة الوطن على تبني أفكاره ومبادراته، وتفرغ قادته للعمل العام، دون أن تكون لهم طلبات أو ترصد عليهم مخالفات مثل قادة "مستقبل وطن"، الذين أصبحوا عبئاً -بحسب تعبير مسؤول أمني مهم- على النظام السياسي المصري، بدلاً من أن يكونوا داعمين له.
الرئيس يرغب في وجود حزبين كبيرين على غرار النموذج الأمريكي
لكنّ عضواً سابقاً بمجلس النواب المصري أكد في اتصال مع "عربي بوست"، أن بروز نجم حزب حماة الوطن في الفترة المقبلة ليس له علاقة على حد علمه باستياء الرئيس من حزب مستقبل وطن كما يقال.
ولكن الأمر أن السيسي يرغب في وجود حزبين كبيرين يتنافسان على السلطة في مصر، ويقتسمانها، على غرار النموذج الأمريكي الذي يتصارع على السلطة فيه حزبان كبيران رئيسيان هما الجمهوري والديمقراطي، مشيراً إلى أن هناك تقارير سياسية اطلع عليها حينما كان عضواً بإحدى لجان البرلمان السابق، حذرت من سيطرة حزب واحد على العملية السياسية، خوفاً من تكرار تجربة الحزب الوطني الذي هيمن على البلاد طوال حكم الرئيس الراحل حسني مبارك، قبل أن يتم حله عقب تنحي مبارك في الحادي عشر من فبراير/شباط عام 2011، في أعقاب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني من نفس العام.
ودلل العضو على عدم صحة ما يقال عن تقليص مرتقب لدور حزب مستقبل الوطن في العمل السياسي خلال الفترة المقبلة، باختيار أحد نوابه البرلمانيين وزيراً للصناعة في التغيير الوزاري الأخير، وهو المهندس أحمد سمير، رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية في مجلس النواب، فضلاً عن أن غرفتي البرلمان يرأسها عضوان من نفس الحزب، وهم حنفي الجبالي للنواب وعبد الوهاب عبد الرازق للشيوخ.
هل يعتبر دعم حزب حماة الوطن انعكاساً للصراع بين الأجهزة السيادية؟!
من جهة أخرى لم يستبعد باحث بمركز خاص للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر أن يكون إفساح المجال لحزب حماة الوطن تعبيراً عن الصراع المحتدم خلف الكواليس بين الأجهزة السيادية وبعضها البعض، وأحياناً بين قادة مختلفين داخل الجهاز السيادي نفسه.
مشيراً في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست" إلى أن هذا الاستنتاج يستند على خلفية الحزبين، حيث تأسس "حماة الوطن" على أيدي قادة عسكريين سابقين، ما يعني أنه يمثل الذراع السياسية للقوات المسلحة.
بينما تأسس حزب مستقبل وطن على يد المخابرات الحربية، وتحديداً المقدم أحمد شعبان صاحب النفوذ المتعاظم في الحياة السياسية المصرية في عهد السيسي، الذي تعاون مع محمد بدران، رئيس اتحاد طلاب مصر السابق، والملقب بـ"الطفل المعجزة"، لتأسيس الحزب ليكون داعماً للسيسي وبديلاً للحزب الوطني المنحل.
قبل أن تدب الخلافات سريعاً في أروقة الحزب، ليتم إبعاد بدران بحجة سفره إلى أمريكا لاستكمال دراسته، وانتقلت تبعية الحزب من المخابرات الحربية إلى الأمن الوطني، قبل أن تستقر مع المخابرات العامة التي قامت باختيار عبد الوهاب عبد الرازق رئيساً للحزب، بعد أن ترك منصبه كرئيس للمحكمة الدستورية العليا عام 2018.
وأضاف الباحث أن كل المشتغلين في البحث السياسي في مصر والمهتمين بالشأن العام يعرفون أن هناك صراعات على النفوذ بين الأجهزة السيادية المصرية، وبالتالي ليس من المستبعد أن يكون إفساح المجال أمام حزب حماة الوطن محاولة من القوات المسلحة والمخابرات الحربية للحصول على دور أكبر في العملية السياسية، وتقليص المساحة الهائلة التي تستحوذ عليها المخابرات العامة من خلال حزب مستقبل وطن في السنوات الأخيرة، مستغلين في ذلك حالة عدم الرضا، وربما الاستياء في الشارع، عن أداء الحزب الذي يشبهه الكثيرون بالحزب الوطني في فساده وسيطرته المطلقة، وتمتعه بدعم رئيس الجمهورية، ما أدى إلى تكتل كل الأحزاب والحركات المعارضة له لإسقاطه، في يناير/كانون الثاني من عام 2011.