قم بمشاركة المقال
تعمل وزارة الاقتصاد على إجراء دراسة تفصيلية للكلفة الاقتصادية للتحول نحو الاقتصاد الأخضر منخفض الكربون في سلطنة عمان، تتضمن تقدير العوائد المتوقعة وتحديد السياسات والتشريعات والحوكمة الاقتصادية بما في ذلك تحديد كيان واحد مسؤول عن تطوير وتنسيق ورصد وحوكمة الاقتصاد الأخضر في سلطنة عُمان التي تشهد اهتماما متزايدا بالتحول إلى الطاقة المتجددة وبناء اقتصاد أخضر لخفض الانبعاثات الضارة بالبيئة والوصول إلى الحياد الكربوني الذي تستهدفه وفق خطتها الاستراتيجية بحلول 2050.
وتركز رؤية عمان 2040 على تطوير المصادر غير التقليدية من الموارد الطبيعية، كاستخدام مختلف أنواع الطاقة المتجددة التي تسهم في تخفيض الكلفة على القطاعات الإنتاجية، وتعزز من تنافسيتها، إضافة إلى تبنّي نهج التحول نحو الاقتصاد الأخضر واستراتيجياته في تطوير مشاريع البنية الأساسية، والتوجه نحو وسائل الطاقة البديلة.
اقرأ أيضاً
وفي حديث خاص لـ «عمان»، قال سعادة الدكتور ناصر بن راشد المعولي، وكيل وزارة الاقتصاد إن الدراسة التي تقوم بها الوزارة تفضي إلى تحديد القطاعات التي ستتأثر بشكل مباشر بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر واقتراح أنسب الطرق للتمويل، كما تعمل الوزارة في الوقت الحالي على إعداد ورقة سياسة متكاملة حول الاقتصاد الأخضر بهدف تحديد الأدوار والمسؤوليات الوطنية في سبيل تحقيق هذا التحول، إلى جانب الدور المركزي لوزارة الاقتصاد في عمليات التنويع الاقتصادي ارتكازا على القطاعات الرئيسية المحددة مرحليا.
وتشمل عمليات المتابعة والتقييم والتغذية المستمرة التي يقوم بها البرنامج الوطني للتنويع الاقتصادي مراجعة المستجدات التي تطرأ على هذه القطاعات عالميا ومحليا مع اقتراح السياسات لتضمين المستجدات للوصول إلى المستهدفات المحددة لهذه القطاعات بحلول نهاية الخطة الخمسية العاشرة 2025. وقال سعادته إن وزارة الاقتصاد ترصد بعض القطاعات التي بدأت تحقق المستهدفات المرحلية المخطط لها، ومضاعفة القيمة المضافة وخاصة الأنشطة غير النفطية التي نمت بنسبة 1.6 بالمائة لتصل إلى 24.70 مليار ريال عُماني في عام 2022م، مرتكزة على النمو الملحوظ في نشاط الصناعات التحويلية بنسبة بلغت نحو 17%، ونشاط النقل والتخزين الذي نما بنسبة 16.3%، وأنشطة الإقامة والخدمات الغذائية (السياحة) التي نمت بنحو 17.3% ونشاط التعدين الذي نما بنحو 10.5%.
اقرأ أيضاً
ضرورة ملحّة
وأكد سعادة الدكتور ناصر بن راشد المعولي أن الانتقال إلى الطاقة النظيفة أصبح ضرورة ملحّة في ظل التوجه نحو تقليل الانبعاثات الكربونية للوصول إلى الحياد الكربوني في العقود المقبلة، منبِّهًا إلى أن معظم الاقتصادات العالمية تشهد تحولات متسارعة وملحوظة في الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة والمستدامة والصديقة للبيئة، مشيرا إلى أن هناك تشددا في اللوائح والاشتراطات البيئية العالمية في هذا المجال، كما أن أسواق الطاقة تشهد تغيرا هيكليا طويل الأمد لصالح مصادر الطاقة المتجددة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع كبير في مستويات الطلب العالمي على الوقود الأحفوري الذي يشكل نحو 80% من مجمل مصادر الطاقة الحالية في الأسواق العالمية.
وخلال الأعوام الأخيرة تأثرت أسواق الطاقة ببعض الأزمات والتطورات العالمية، ومن أهمها أزمة سلاسل التوريد العالمية الناتجة عن جائحة كوفيد-19 في عام 2020، والأزمة الجيوسياسية في أوروبا التي كانت لها انعكاسات كبيرة، ليس فقط على واقع الوقود الأحفوري، وإنما على مستقبله، حيث أخذت بعض الدول الغربية في تبنّي سياسات اقتصادية لتنويع مصادر الطاقة وتخفيض الاعتماد على النفط من خلال البحث عن بدائل آمنة ومتوفرة فيها، كما تشير البيانات المتاحة إلى أن الحلول البديلة لخفض الانبعاثات والانتقال نحو الطاقة النظيفة اكتسبت زخما عالميا في الفترة الأخيرة، حيث نمت مبيعات السيارات الكهربائية على سبيل المثال في عام 2022 أكثر بنسبة 14% من مبيعات السيارات العالمية التقليدية.
التوسع في استخدام الطاقة المتجددة
وأضاف وكيل وزارة الاقتصاد: إن كل المؤشرات الحالية تؤكد على توجه العالم إلى مزيد من التوسع في استخدام الطاقة المتجددة خلال الفترة من 2022 إلى 2027، ويتسارع هذا التوسع بنسبة 85% عن السنوات الخمس السابقة، كما أن التوقعات تشير إلى زيادة توليد الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية أكثر من الضعف في السنوات الخمس المقبلة، مما يوفر ما يقرب من 20% من توليد الطاقة العالمي في عام 2027 حسب تقرير مصادر الطاقة المتجددة لعام 2022. وذكر سعادته عددا من المكاسب التي قد تجنيها الدول ومن بينها سلطنة عمان في ظل الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة وهي الحد من انبعاثات الغازات المسببة للتغير المناخي جراء تخفيض الاعتماد على الوقود الأحفوري، كما أن تكنولوجيا مصادر الطاقة المتجددة واستخداماتها تؤدي إلى خلق فرص العمل، إضافة إلى المحافظة على البيئة من خلال الحد من النفايات وتلوث الهواء والماء والتربة، الأمر الذي يسهم بدوره في تحسين صحة الإنسان من خلال تقليل الأمراض المرتبطة بالتلوث وبالتالي تحسين جودة الحياة.
مبادرات لخفض الانبعاثات
وتحدث المعولي عن الالتزامات العالمية تجاه خفض الانبعاثات مشيرا إلى «اتفاقية باريس» التي دعت الاقتصادات العالمية عبر السياسات والتشريعات وإعادة تشكيل النماذج الاقتصادية لخفض الانبعاثات واحتواء ظاهرة الاحترار العالمي. وقد قامت سلطنة عمان بالتصديق على هذه الاتفاقية بموجب المرسوم السلطاني رقم 28/ 2019، وتعد جهود الانتقال للطاقة المتجددة ركنا أساسيا في تحقيق هذه الالتزامات، ولا يمكن أن يكون منعزلًا عن بقية القضايا الأخرى، ولهذا أقرت سلطنة عُمان استراتيجيتها الوطنية للوصول للحياد الصفري بحلول عام 2050 التي ركزت على 6 تقنيات أساسية لتحقيق السيناريو المتوازن للوصول إلى صافي الانبعاثات، وهي التركيز على كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة وكهربة العمليات ومصادر الطاقة المتجددة والهيدروجين المستدام، بالإضافة إلى تقنيات البطاريات الكهربائية واحتجاز الكربون وتخزينه والحلول القائمة على الطبيعة.
وأوضح المعولي أن الاستراتيجية الوطنية للوصول إلى الحياد الصفري هي نتاج المختبر الموسع حول إدارة الكربون الذي شاركت فيه وزارة الاقتصاد، وقد ركز هذا المختبر على أربع قطاعـات رئيسـية، هـي: قطـاع الطاقـة، ويشــمل الكهربــاء والنفــط والغــاز، وقطــاع الصناعــة، وقطــاع النقــل، وقطــاع المــدن والمبانــي.
ونبَّه إلى أنه تم التوصل إلى أن 95% من إجمالي صافي انبعاثات سلطنة عُمان يعزى إلى هذه القطاعات الرئيسية، لذلك يتم حاليا العمل من خلال تطبيق مجموعة من المشاريع والمبادرات والابتكارات لمعالجة وخفض الانبعاثات في كل هذه القطاعات، وتعظيم القيمة الاقتصادية لها من خلال خفض الكلفة الاقتصادية لتحقيق خطة الحياد الصفري.
وأكد أن الاتجاهات الرئيسية المستقبلية للطاقة في العالم تتمثل في تزايد الاهتمام بالانتقال إلى الطاقة المتجددة على حساب الوقود الأحفوري مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية والحيوية نظرا لتوفرها ومراعاتها للبيئة وتقليلها من انبعاثات الكربون، وكذلك تطور تقنيات الطاقة النظيفة مثل تقنيات الكربون المنخفض وتقنيات الطاقة النووية الآمنة والمستدامة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة من خلال تطوير التقنيات الحديثة والمستدامة.
الاقتصاد الأخضر
وأكد المعولي أن وزارة الاقتصاد حرصت على تضمين التحديات والفرص المتعلقة بالانتقال الطاقي والاقتصاد الأخضر في الخطة الخمسية العاشرة، إذ تركز رؤية عمان 2040 والخطة الخمسية العاشرة باعتبارها الخطة التنفيذية الأولى للرؤية في مجال إدارة الموارد الطبيعية على تطوير المصادر غير التقليدية من الموارد الطبيعية، كاستخدام مختلف أنواع الطاقة المتجددة التي تسهم في تخفيض الكلفة على القطاعات الإنتاجية، وتعزيز تنافسيتها، إضافة إلى تبنّي نهج التحول نحو الاقتصاد الأخضر واستراتيجياته في تطوير مشاريع البنية الأساسية لسلطنة عمان، والتوجه نحو وسائل الطاقة البديلة؛ كالرياح والشمس وغيرها بما يعزز الاستدامة البيئية، ويسهم في تحقيق الاستقرار وتخفيض القيود والضغوط على الإدارة المالية.
وأكد المعولي مواصلة سلطنة عمان العمل على تطوير قطاع الطاقة خلال السنوات القادمة، مواكبة للتطورات العالمية في مجال الطاقة واستخدام التقنيات الحديثة، ومن المتوقع أن تشهد السلطنة تحولا نوعيا في الاعتماد المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة والنظيفة لتحل محل الوقود الأحفوري المعتمد عليه حاليا، وذلك من