"خطب الجمعة الملهمة من قلب المسجد الحرام وروح المسجد النبوي"


أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور ماهر بن حمد المعيقلي المسلمين بتقوى الله عز وجل. يشدد على أن الحياة قصيرة والفرص قليلة، وعلى المؤمنين أن يكونوا على يقين من أن الانتقال من هذه الدنيا إلى الآخرة أمر لا مفر منه.
يذكر الشيخ المعيقلي أن الله خبير بأعمال الناس وأنه من الضروري أن يحاسب الإنسان نفسه ويتقي الله فيما يقدم للغد.
بالإشارة إلى قوله تعالى "وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ"، يحث المعيقلي على عدم التسويف والاستغلال الأمثل للوقت في طاعة الله.
يشجع الشيخ المعيقلي المسلمين على التفكير في مستقبلهم وكيفية ترتيب أولوياتهم بناء على ما يحاسبون عليه يوم القيامة.
قال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم بالمسجد الحرام أمة الإسلام: المال قوام الحياة، وهو إما أن يكون نعمة على صاحبه، يستعين به على طاعة ربه، وتصريف أمور حياته، والتمتع به في حدود ما أباح الله له، وإما أن يكون وبالاً ونقمة عليه، وليس أجلب للنقم، من كفران النعم، وجحود المنعم، والاغترار بفتنة المال، وإنفاقه فيما يغضب الكبير المتعال، وليس مال المرء ما جمعه، ليقتسمه ورثته من بعده، بل حقيقة مال المرء، هو ما قدمه لنفسه، ذخراً له بين يدي خالقه، ففي صحيح البخاري: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ؟))، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْهِ، قَالَ: ((فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ، وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّرَ))، فما أحسنَ أن يكونَ للمؤمنِ أثرٌ يَبقى له بعدَ موتِه، وذخرٌ له عندَ ربِّه، فأهل القبور في قبورهم مرتهنون، وعن الأعمال منقطعون، وعلى ما قدَّموا في حياتهم محاسبون، فالموفَّق من يموت ويبقى عملُه، ويرحلُ ويدومُ أثرُه، فالنفقة الدائمة، خير من المقطوعة، والله تعالى يقول: ﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾.
وأضاف فضيلته أنه من الأفضل للمؤمن أن يترك أثرًا يبقى بعد وفاته، حيث إن أهل القبور محاسبون على أعمالهم التي قدموها في حياتهم، والموفق هو من يموت ويبقى عمله ويستمر أثره. وهكذا، فالنفقة الدائمة خير من المقطوعة، وهذا ما أكده الله تعالى في كتابه المجيد.
من الأعمال التي تدوم أثرها وتتوالى أجرها وثوابها هو الوقف، حيث إنه يعتبر من أفضل أبواب الخير وأنفعها. يتميز الوقف بأنه يحبس رأس المال ويسبيل منافعه، مما يجعله أصلًا قائمًا وأجرًا دائمًا. وفي صحيح مسلم، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمل الإنسان ينقطع بعد موته إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.
يعتبر الوقف من أعظم الطاعات التي تجلب النفع للأحياء والأموات، حيث يساهم في نشر روح التعاون والمحبة بين أفراد المجتمع، ويعزز الأواصر الاجتماعية والأخوية. بالإضافة إلى ذلك، يساهم الوقف في الاستدامة والحفاظ على المال وحمايته من التبديد والإساءة استخدامه، مما يضمن استمرارية النفع منه على مر الزمان.
يعتبر الوقف صورة حضارية مشرقة تعكس اهتمام المسلم بتقديم العطاء والخير لمجتمعه. يساهم الوقف في تربية الأفراد على التكافل الاجتماعي ويعزز دورهم في التنمية والرقي. على سبيل المثال، يمكن للوقف تمويل بناء المساجد والمستشفيات والمراكز البحثية في الجامعات، وكذلك تأسيس أوقاف للأرامل والأيتام والمحتاجين، مما يسهم في تحسين جودة حياة الناس وتقديم الدعم لأصحاب الحاجات المختلفة في المجتمع.
يعتبر الوقف أحد أبرز القيم الإنسانية التي تعزز التعاطف والتراحم بين أفراد المجتمع. يساهم الوقف في بناء جسور التواصل والتعاون بين الناس، ويعزز الروح الإيجابية للمجتمع بشكل عام. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر الوقف وسيلة للتعبير عن الشكر والامتنان لله تعالى من خلال تقديم العطاء والخير للناس وخدمة المجتمع بشكل عام.
في هذا الوقت المبارك، يجب على المسلمين تضاعف الأعمال الصالحة والسعي للخير. يُشجع على المشاركة في الوقف أو الاستقلال، حيث أن القليل من العطاء يعني الكثير عند الله.
يُذكر أن الأعمال الصالحة تستمر في ميزان الحسنات بعد الموت، مثل نشر العلم أو بناء مسجد أو حفر بئر، وهذا يُظهر أهمية الاستمرار في العمل الصالح.
يُنصح بالتقرب إلى الله والاجتهاد في أداء العبادات المختلفة خلال هذا الشهر الفضيل. يُشجع على الصلاة والزكاة والحج والعمرة، والالتزام بالأخلاق الحميدة وتجنب المعاصي.
تجتمع في شهر رمضان مجموعة من العبادات الفريدة، مثل الصلاة والصوم وتلاوة القرآن الكريم. يجب على المسلمين الاجتهاد في أداء هذه العبادات لكسب الأجر والثواب.
في هذه الخطبة، يشير الإمام والخطيب إلى أهمية شهر رمضان وفضله في الإسلام. يذكر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم قد أبشر بفضيلة هذا الشهر الكريم. ويقول إنه شهر عظيم ومبارك، وفيه ليلة خير من ألف شهر، وقد فرض الله علينا صيامه وجعل قيام ليله تطوعًا. ومن يتطوع فيه بالخير يكون كمن أدى فريضة فيما سواه.
يشير الإمام إلى أن السماء والأرض تستعد لاستقبال شهر رمضان، وكذلك ينبغي لقلوب المسلمين أن تكون مستعدة لاستقبال القرآن الكريم في هذا الشهر الفضيل. يشدد على أن القرآن يمتلك سطوة كبيرة على القلوب، مما يساعد في ضعف الشهوات والميل إلى الخير بفضل الصيام.
يذكر الإمام أنه عندما يحل شهر رمضان، تُسجن الشياطين وتُغلق أبواب النار، وتُفتح أبواب الجنة. وكل ليلة يُنادى بأن الباحثين عن الخير يجدونه، والباحثين عن الشر يبتعدون عنه. وفي كل ليلة يُعتق الله عتقاء من النار.
يحث الإمام المسلمين على الاستعداد لشهر رمضان من خلال التوبة من الذنوب وأداء زكاة المال لمن يجب عليها. يشدد على أهمية التحضير الروحي والمادي لاستقبال هذا الشهر الفضيل.
في ختام الخطبة، يذكر الإمام أن نعيم الدنيا مؤقت ولا يدوم، والفرح الحقيقي يأتي من بسط الله للرحمة في شهر رمضان. يدعو المسلمين للاستفادة القصوى من هذا الشهر الكريم والتقرب إلى الله بالطاعات والصالحات.
سيتم تحسين تجربتنا على هذا الموقع من خلال السماح بملفات تعريف الارتباط