قم بمشاركة المقال
عندما تستيقظ كل صباح على أرضية إحدى مدارس الأمم المتحدة في جنوب غزة، تتأكد إيمان بشير من أنَّ أطفالها لم يصابوا بأذى. كلما استيقظت على صوت غارة جوية قريبة، تعتبرها علامة جيدة أنها سمعتها – فقد أخبرها الناجون من الغارات الأخرى أنهم لم يسمعوا الانفجار.
ويدرس زوج بشير في الخارج؛ لذا تعمل بمفردها خلال القصف المستمر على غزة منذ الشهر الماضي على الحفاظ على سلامة أطفالها الثلاثة وإيوائهم وإطعامهم وصرف انتباههم عن القصف وفق ما قالت صحيفة The Guardian البريطانية في تقرير لها يوم الأحد 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
اقرأ أيضاً
معاناة أهالي غزة مع استمرار القصف
تنضم أولاً إلى طابور مدته ساعة للحصول على الخبز، ثم تتوجه إلى منزل عمها في خان يونس لتناول وجبة الإفطار واستخدام المرحاض؛ إذ سيتعين عليها الانتظار لساعات إذا أرادت استخدام مرحاض المدرسة. ومع ذلك، فهي لا تزال تنام في المدرسة، نظراً لأنَّ منزل عمها يؤوي الآن 50 شخصاً، وتشعر أنه من "الأنانية" أن تزيد من الاكتظاظ.
وتقول بشير: "أبذل قصارى جهدي لأظل قوية، لكن من السيئ للغاية أن أكون أماً عازبة إلى حد ما في مثل هذا الوضع. إذ بغض النظر عمّا يحدث، عليّ صرف انتباه الأطفال وإطعامهم. ليس هناك وقت للحداد على فقدان أحبائي لأنَّ لدي ثلاثة أطفال يجب أن أعتني بهم. حرفياً ليس لدي وقت للبكاء".
اقرأ أيضاً
مليون ونصف المليون نازح في غزة بسبب الحرب
بشير هي من بين 1.4 مليون شخص نزحوا الآن في غزة. وكانت تعيش في مخيم جباليا للاجئين، حيث قُتِل ما يصل إلى 195 شخصاً الأسبوع الماضي في غارة جوية إسرائيلية. وانتقلت العائلة إلى الجنوب مع آلاف المدنيين الآخرين؛ لأنَّ إسرائيل قالت إنَّ السكان سيكونون آمنين هناك. لكن جنوب غزة يشهد أيضاً غارات جوية منتظمة ويواجه الآن نقصاً في الوقود والمياه والغذاء.
والروتين اليومي لبشير مليء بالتحديات. إذ تؤذي المياه التي استطاعت توفيرها بطون أطفالها، لكن أقرب صيدلية تقع على بعد ساعة سيراً على الأقدام وربما لا يتوفر لديها الدواء الذي تحتاجه.
ويعني نقص الكهرباء في غزة أنه يجب شراء المواد الغذائية الطازجة كل يوم، لكن الوصول إلى السوق يستغرق ساعتين سيراً على الأقدام. وهناك سيارات تتجه إلى هناك من حين لآخر، لكن نقص الوقود يعني أنَّ العربة التي يجرها حمار أكثر موثوقية. وبمجرد وصولها، تشتري كل ما في وسعها لإعداد وجبة، على أمل ألا يستغل أصحاب الأكشاك الأشخاص اليائسين. لكنها تشعر بالقلق من نفاد الغاز اللازم لطهي الطعام قريباً.
ووفقاً لوزارة الصحة في غزة قُتل أكثر من 9000 شخص في غزة، وتقول الأمم المتحدة الآن إنَّ الوضع الإنساني "كارثي"، حيث أدى حصار الوقود إلى إغلاق المستشفيات وتضرُّر وسائل النقل وإمدادات المياه. وحتى الملاجئ ليست آمنة؛ إذ قالت الأمم المتحدة إنَّ أربعة منها تعرضت للقصف يوم الخميس الماضي، 2 نوفمبر/تشرين الثاني؛ مما أسفر عن مقتل 23 شخصاً.
وتقول بشير: "أشعر أنَّ الأمر ليس حقيقياً: لا ماء ولا كهرباء. بينما نتحدث، يموت أشخاص مصابون بجروح خطيرة بسبب نقص الخدمة الطبية والعدوان المستمر".
انقطاع الاتصالات يفاقم الوضع في غزة
يدرس زوج بشير، عبد الرحيم أبو وردة، للحصول على درجة الماجستير في الولايات المتحدة. ولم تسمح له منحته الدراسية باصطحاب عائلته معه، ويقول إنه يشعر بالعجز، خاصة أنَّ انقطاع الاتصالات التام أعجزه عن التحدث مع عائلته مرتين في الأسبوع الماضي.
ويقول: "أشعر وكأنني أصرخ في الفراغ. حتى عندما أتصل بزوجتي وأطفالي، لا أستطيع مواساتهم. لا أستطيع حتى أن أكذب وأخبرهم أنَّ كل شيء سيكون على ما يرام. لا أعرف إذا كنت سأفقدهم في اليوم التالي أو الساعة التالية. وهذا يؤلم قلبي حرفياً. منذ بدأت الحرب، أشعر بألم جسدي في قلبي".
وصار العيش في المدرسة أمراً سريالياً بالنسبة لبشير. وهي تُدرِّس اللغة الإنجليزية في مدرسة أخرى تابعة للأمم المتحدة في شمال غزة، حيث خطر ببالها فكرة استخدام المبنى للتخييم مع طلابها، بسبب افتقارهم إلى المساحات المفتوحة. والآن، تعيش هي ومئات الآلاف في مختلف أنحاء غزة في المدارس.
وغالباً ما تفكر في طلابها البالغ عددهم 200 طالب، وبينما يتواصل البعض معها عبر الشبكات الاجتماعية أو يلتقون بها في خان يونس، لا يستجيب البعض الآخر لرسائلها. وتعلم أنَّ أحدهم قد قُتِل.
وتقول: "دائماً ما تعرضت للانتقاد لأني معلمة عاطفية تتعلق بطلابها. آمل فقط أن يكونوا بخير لأنني لطالما اعتقدت أنَّ لديهم القدرة على إحداث تغيير. لكن إذا رحلوا، فلا أعتقد أنَّ الأمور ستتغير في أي وقت قريب".