قم بمشاركة المقال
ارتفاع الأسعار في المغرب للسلع والخضراوات والمواد الطاقية يتجه إلى المنحنى التصاعدي يوماً بعد الآخر، فالأثمان صاروخية، يكتوي بنارها المغاربة من الطبقة الفقيرة، وحتى المتوسطة التي لم تستطع مسايرة هذا الغلاء.
ورغم أن المغرب ينتج 100% من احتياجاته الوطنية من الخضر والفواكه والسمك فإن أسعار هذه المواد تظل مرتفعة بالبلاد، مقارنة مع الدول المجاورة للمملكة بشمال إفريقيا.
اقرأ أيضاً
وإذا كان المغرب بلداً زراعياً ويمتلك ثروة مهمة ومتنوعة من الأسماك، جعلته من المصدرين الرئيسيين في العالم لنوع "السردين"، لكن أسعار هذه المنتجات تظل مرتفعة داخل السوق الوطني.
فما أسباب هذا الارتفاع غير المسبوق في أسعار عدد من المنتجات الغذائية، إلى جانب الزيادة في ثمن المواد الطاقية، رغم انخفاض ثمنها على المستوى العالمي؟
اقرأ أيضاً
لماذا ارتفاع الأسعار في المغرب؟
يُعتبر المغرب من الدول المنتجة للخضر والفواكه والأسماك في العالم، لكن رغم ذلك تبقى الأسعار مرتفعة في الأسواق الداخلية.
رئيس الفيدرالية البيمهنية لإنتاج وتصدير الفواكه والخضر، الحسين أدردور، قال إن "الجفاف وارتفاع أسعار الأسمدة التي تضاعفت عشر مرات، وارتفاع أسعار المحروقات، كلها عوامل دفعت إلى ارتفاع الأسعار في المغرب".
اقرأ أيضاً
وقال المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" إن "هناك فلاحين لم يستطيعوا المغامرة بزراعة الخضراوات بسبب هذه العوامل، ما جعل البعض منها قليلاً في السوق أمام ارتفاع الطلب من الخارج".
وبخلاف تطمينات الحكومة بشأن تراجع سعر الطماطم مثلاً، أكد أدردور أن "ثمن هذا النوع من البواكر لن يعرف أي انخفاض حتى حدود شهر يونيو/حزيران 2022، وذلك بسبب الطلب المتزايد عليها من الدول الأوروبية، ومن إنجلترا".
اقرأ أيضاً
وتابع المتحدث أن "أوروبا تسجل نقصاً في الطماطم، بسبب التراجع في إنتاجها لتكلفتها المرتفعة، حيث تعتمد في بعض تقنياتها على التسخين بالغاز، الذي تعرف أسعاره ارتفاعاً كبيراً".
ونمت الصادرات المغربية من الطماطم في اتجاه الاتحاد الأوروبي بنسبة 8%، في شهر يناير/كانون الثاني 2022، مقارنة بالفترة نفسها من سنة 2021، "الأمر الذي جعلها ترتفع إلى سعر قياسي لم تشهده منذ 60 سنة، إذ وصلت إلى 3 يورو للكيلوغرام، وهو ما جعل الطلب عليها من المغرب مرتفعاً".
التصدير يُعمق الأزمة
وإذا كان للطلب الخارجي على الطماطم المغربية عوائد مالية، قد تنعش احتياطي البلاد من العملة الصعبة، إلا أنه تسبب في ارتفاع غير مسبوق للأسعار في الأسواق المغربية.
يقول الخبير الاقتصادي عمر الكتاني لـ"عربي بوست"، إنه "من أسباب ارتفاع الأسعار في المغرب التصدير، الذي أصبح يشكل أولوية على الاستهلاك الداخلي، لكون السعر الذي تباع به هذه المواد يكون أغلى في الخارج".
من جهته، يرى زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "المغرب بلد منتج لعدد من المنتجات الغذائية، من قبيل السمك وبعض الخضر والفواكه، لكنه مصدّر أيضاً، فالطلب الخارجي ارتفع على المنتجات المغربية من قبل أوروبا، ما أدى إلى هذا الارتفاع في الأسعار في المغرب".
ويُسهم قطاع الصيد البحري بما يقارب 2% من الناتج الداخلي الخام، ويوفر ما يناهز 96 ألف منصب عمل مباشر، وما يزيد عن 600 ألف منصب عمل غير مباشر".
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن الثروات البحرية في المغرب تتشكل من أكثر من 500 نوع، وهو ما يجعل المغرب يحتل المرتبة الأولى إفريقياً والـ13 عالمياً، من حيث حجم إنتاج الأسماك.
ارتفاع الأسعار في المغرب كان حاضراً بمجلس النواب المغربي، الإثنين 11 أبريل/نيسان 2022 بقوة، إذ نددت المعارضة استمرار ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية، رغم أن المغرب بلد منتج، ومنها أسعار الفلفل والطماطم.
محمد صديقي، وزير الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات، قال إن "الحكومة تعمل كل ما في جهدها من أجل تخفيض أسعار الخضراوات، وإنه تم الاتفاق مع المهنيين من أجل إعطاء أولوية للسوق المحلية".
وقال الوزير إن "الإقبال على الصادرات هذا العام سابقة، إذ كنا دائماً نعاني مع الدول الأوروبية من الكوتة، أي نسبة معينة من الصادرات لا يمكن تجاوزها، اليوم يستوردون كل شيء دون الأخذ بعين الاعتبار نسبة محددة لا يمكن تجاوزها".
ومنذ سبتمبر/أيلول الماضي وحتى 3 أبريل/نيسان الجاري، ارتفعت صادرات البواكر بنسبة 21% مقارنة بالموسم الماضي، منها 513 ألف طن من الطماطم، وهو ما يمثل 50% من إجمالي صادرات البواكر، فيما بلغت صادرات الموالح 657 ألف طن أي بارتفاع 36%، 90% منها للفواكه الصغيرة.
المتاجرون بالأزمات
وإلى جانب التصدير، يربط حسن أدردور، رئيس الفيدرالية البيمهنية لإنتاج وتصدير الفواكه والخضر، بين ارتفاع الأسعار في المغرب ومن سمّاهم بـ"المضاربين"، الذين يتاجرون بالأزمات، ويعمدون إلى تخزين هذه المنتجات من أجل رفع ثمنها.
وفي شهر مارس/آذار 2022، حثّ وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، الولاة والمحافظين على التحلي باليقظة اللازمة لرصد أي اختلال محتمل في التموين ومسالك التوزيع، ومواجهته بالنجاعة والسرعة المطلوبتين.
كما طالبهم بالسهر على فرض احترام المقتضيات القانونية، وتفعيل المساطر الزجرية الجاري بها العمل في حق كل المخالفين الذين يثبت تورطهم في ارتكاب مخالفات تمس بقواعد المنافسة الشريفة وبحقوق المستهلك أو بالصحة والسلامة العامة للمواطنين.
ويعتبر الخبير الاقتصادي عمر الكتاني لجوء عدد من الدول بعد الحرب الأوكرانية الروسية إلى التخزين، ومنها الصين التي تخزن حوالي 65% من حبوب الذرة، و60% من الأرز، و50% من القمح من أصل الإنتاج العالمي، (يعتبره) من العوامل الرئيسية التي أدت إلى ارتفاع الأسعار على المستوى الدولي.
ومن ضمن العوامل أيضاً التي تسببت في غلاء الأسعار في المغرب، يضيف الكتاني، ارتفاع تكاليف النقل، بسبب تصاعد سعر المحروقات، لهذا بدأت الحكومة في صرف دعم مالي يتراوح ما بين 1000 و7 آلاف درهم للعاملين في قطاع النقل، للتخفيف من آثار ارتفاع أسعار الوقود.
أرباح مضاعفة لشركات المحروقات
أدت حرب روسيا على أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار النفط ومشتقاته على المستوى الدولي، غير أنه في نهاية شهر مارس/آذار 2022، أمر الرئيس الأمريكي جو بايدن بسحب مليون برميل نفط يومياً من الاحتياطي الاستراتيجي لمدة 6 أشهر، بهدف خفض الأسعار.
ورغم انخفاض ثمن برميل النفط على المستوى الدولي لم ينعكس ذلك على مستوى السوق الداخلي بالمغرب، حيث تواصل ارتفاع أسعار "الغاز" و"البنزين"، والتي تجاوزت 14.80 درهم للتر الواحد (دولار ونصف).
هذا الارتفاع فسره زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط بـ"إشكالية مدة العقود ما بين الشركات داخل المغرب وعلاقتها بالخارج، والتي يتم من خلالها تحديد الثمن".
وأوضح المتحدث "الشركات كانت قد اقتنت المحروقات بثمن مرتفع قبل انخفاضه، ونتيجة لذلك مازالت تداعيات هذا الارتفاع مستمرة".
وبدوره يقول حسن اليماني، الكاتب العام للنقابة الوطنية لصناعات البترول والغاز الطبيعي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، إنه "عادة ما يكون مبرر رفع أسعار المحروقات بالمدة الفاصلة بين السوق الدولية والمستهلك".
وتابع المتحدث أنه "بعد تغييب شركة تكرير النفط الوحيدة في المغرب، أصبح ثلاثة فاعلين اقتصاديين يتحكمون في حوالي 80% من المحروقات، وهم الذين يقررون السعر، وما دامت لا توجد منافسة قوية فإنه طبيعي ألا يستفيد المواطن من أي تراجع للأسعار".
وأضاف المتحدث أنه "عادة ما يكون هناك احتمال للخسارة، ولكن ما دامت الشركات اشترت المحروقات بثمن مرتفع ثم انخفض ثمنه على المستوى الدولي، كان من الأجدر أن ينخفض، لكن هذه الشركات لا تعرف سوى الأرباح، والتي تضاعفت بعد التحرير بنسبة 14%".
من جهته، يرى رضى النظيفي، الكاتب العام للجامعة الوطنية لتجار ومسيّري محطات الوقود بالمغرب، أن أصحاب المحطات "لديهم ربح قارّ، ولا دخل لهم في ارتفاع الأسعار في المغرب الذي تتحمل مسؤوليته الشركات الموزعة للمحروقات".
ودعا نظيفي في تصريحه لـ"عربي بوست" الحكومة إلى إخراج النصوص المتعلقة بتطبيق قانون "الهيدروكاربور"، الذي تعاقبت عليه ثلاث حكومات "لتحديد من المسؤول عن هذا الارتفاع"، حسب قوله.
فيما اعتبر الخبير الاقتصادي عمر الكتاني، أن المبررات التي يقدمها المهنيون بأن تأثير الانخفاض على الأسعار قد يأخذ وقتاً أكبر بالنسبة للمحروقات، و"استغلال المستهلك" لا يجب السكوت عنه.
ضرورة التدخل لخفض الأسعار
زكرياء فيرانو، أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، أكد على ضرورة تدخل الدولة من أجل إقرار ميكانيزمات وآليات تخفف من ثقل ارتفاع الأسعار في المغرب على المواطن المغربي، في ظل هذه الظروف.
من جانبه، طالب الكاتب العام للجامعة الوطنية لتجار ومسيري محطات الوقود بالمغرب، الحكومة بوضع حد لهذا الارتفاع، مؤكداً أن "ما يهم المستهلك هو خفض الثمن، ونحن أيضاً يهمنا أن يكون الثمن منخفضاً".
وكشف المتحدث أن هيئته راسلت مجلس المنافسة من أجل التدخل لحماية المهنيين، والقدرة الشرائية للمواطنين، كما طالبت وزارة الاقتصاد والمالية بإعفاء المهنيين من الحد الأدنى للضريبة، الذي يتم احتسابه على أساس رقم المعاملات.