قم بمشاركة المقال
يحشد إسرائيليون متطرفون من أجل الترويج للعيش في "مستوطنات مستقبلية متخيلة" في غزة، كجزء من خطة ممنهجة يقودها مسؤولون عن الاستيطان بالأراضي الفلسطينية، يعملون الآن على "عودة المستوطنات للقطاع"، إذ بدأ أنصار الاستيطان بنشر طلب لتسجيل البيانات حصل "عربي بوست" على نسخة منه، ويهدف لجمع قوائم بأسماء "الراغبين بالعيش" في المستوطنات التي دعا "مؤتمر النصر" الذي عُقد بالقدس لإقامتها في القطاع، وإحداها مجاورة لمصر.
هذا التحرك من قبل المتطرفين الإسرائيليين الذي يهدف لتهجير سكان غزة، والذي أثار انتقادات فلسطينية وغربية، يخالف قرارات محكمة العدل الدولية يوم 26 يناير/كانون الثاني 2024، التي طالبت الاحتلال باتخاذ تدابير توقف الإبادة الجماعية بغزة، كما أنه يأتي في وقت يواصل فيه الفلسطينيون بغزة دفاعهم عن أرضهم وتمسكهم بالبقاء فيها.
اقرأ أيضاً
تحرك لحشد المستعدين للاستيطان
وحظي المتطرفون الإسرائيليون الداعمون للاستيطان بدفعة كبيرة بعد تنظيم مؤتمر بالقدس، بدعم من حزب "القوة اليهودية" المتطرف، بقيادة وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وشارك به 11 وزيراً إسرائيلياً، و15 عضو كنيست من الائتلاف اليميني الحاكم، ودعوا خلاله لإعادة الاستيطان في غزة والضفة.
خلال المؤتمر الذي عُقد يوم 28 يناير/كانون الثاني 2024، خصص المنظمون أكشاكاً لإطلاع الحضور على خططهم للاستيطان بغزة، وعرضوا عليهم صوراً وخرائط تظهر الشكل الذي "ينبغي أن تكون عليه غزة بنظرهم بعد الحرب".
اقرأ أيضاً
عقب المؤتمر بدأ متطرفون إسرائيليون في نشر نسخ من طلبات إلكترونية بين الإسرائيليين، يهدف إلى جمع قوائم بأسماء "الراغبين بالانتقال إلى مستوطنات غزة المُتخيلة بعد الحرب".
يُسمي الطلب القطاع بـ"مدينة غزة الجديدة"، ويقول إنه "سيجري بناء المدينة بهدف أن تكون المدينة المركزية في غرب صحراء النقب"، ويُشير إلى أن "المئات سجلوا أسماءهم من أُسر وشباب"، وتدعو مقدمة الطلب الإسرائيليين لـ"صناعة التاريخ" بحسب تعبيرها.
اقرأ أيضاً
يتضمن الطلب تسجيل البيانات الشخصية، مثل اسم الشخص وعائلته، ومدى استعداده لـ"الانتقال إلى غزة"، والفترة التي يحتاجها للتجهز والانتقال لـ"العيش في القطاع"، وأعداد أفراد العائلة الذين هم على استعداد للاستيطان.
يُطلب أيضاً من أصحاب الطلبات تقديم معلومات عن نوع الأعمال التي يمكن تقديمها للمساهمة في إقامة المستوطنات، بما في ذلك أنشطة الترويج للمستوطنات على شبكات التواصل الاجتماعي، والتأثير على الرأي العام والإعلام، وعلى تشكيل ضغط على أعضاء الكنيست والحكومة.
اقرأ أيضاً
ويركز المتطرفون الإسرائيليون على شبكات التواصل ضمن خطتهم للحشد نحو الاستيطان في غزة، إذ تقف وراء نشر "طلب الاستيطان في غزة" مجموعة مؤيدة للاستيطان تنشط على موقع "فيسبوك"، وتسمي نفسها "شعب إسرائيل يعود إلى قطاع غزة"، وتم إنشاء هذه المجموعة التي تضم أكثر من 7 آلاف شخص، يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أي بعد اندلاع الحرب بـ22 يوماً.
يقود هذه المجموعة إسرائيلي متطرف اسمه "إليشي بليكشتاين"، وهو أحد المنظمين لمؤتمر الدعوة للاستيطان الذي عُقد بالقدس، وينشط على شبكات التواصل للترويج لضرورة فكرة إعادة احتلال غزة والاستيطان فيها، ويشارك في وقفات احتجاجية تدعو لطرد سكان غزة من منازلهم، ومنع إدخال المساعدات إليهم.
في حين يقف وراء الترويج لطلب الاستيطان حساب إسرائيلي باسم "Yinon Goldshtein"، وتشير صورة الحساب على "فيسبوك" إلى أنه جندي في جيش الاحتلال.
تروج المجموعة بكثرة "لخرائط المستوطنات المُتخيلة في غزة"، وتمتلئ بمنشورات وتعليقات لإسرائيليين يبدون رغبتهم في الاستيطان بالقطاع ويدعون لتهجير سكانه.
كذلك تقود صفحة أخرى على "فيسبوك" باسم "العودة إلى قطاع غزة" حملات الدعوة للاستيطان بالقطاع، وتم إنشاء هذه المجموعة منذ عام 2014، وكان في البداية اسمها "العودة إلى غوش قطيف" قبل أن تتحول إلى الاسم الحالي بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
و"غوش قطيف" هي المستوطنات التي كانت موجودة في قطاع غزة، والتي انسحبت منها إسرائيل عام 2005، بموجب اتفاقية "فك الارتباط" التي نفذتها حكومة رئيس الوزراء الأسبق أرييل شارون.
خريطة غزة بعيون المتطرفين الإسرائيليين
في مؤتمر الدعوة لإعادة الاستيطان بغزة، الذي شارك فيه ما لا يقل عن ألف إسرائيلي متطرف، عُرضت خريطة ضخمة لغزة وضعت على جدار قاعة المؤتمر، ورُسمت عليها "مستوطنات جديدة مُتخيلة" في عقل منظمي المؤتمر.
اكتسب المؤتمر صبغة رسمية بعدما شارك به وزراء عدة، أبرزهم بن غفير (حزب القوة اليهودية)، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش (حزب الصهيونية الدينية)، ووزراء من حزب "الليكود" الذي يقوده بنيامين نتنياهو، ومن بينهم وزير الرياضة، ميكي زوهار، ووزير السياحة، حاييم كاتس.
تمتد المستوطنات الجديدة "المُتخيلة" من بيت حانون في شمال غزة، إلى مدينة رفح المجاورة لمصر جنوب القطاع، ويبلغ عددها 6 مستوطنات، 3 منها بجوار الساحل، كما تضمنت خريطة غزة أسماء المستوطنات التي كانت موجودة بالقطاع.
وضع منظمو المؤتمر أسماءً جديدة "متخيّلة" لأحياء غزة، وللمستوطنات التي يحلمون بإنشائها، ووفق الخريطة التي تم عرضها بالمؤتمر، تم على سبيل المثال استبدال اسم "مخيم الشاطئ" بـ"أجريبيون"، و"الشجاعية" بـ"شجعان غزة"، (وأشاروا إلى أن هذا الاسم يُشير لمقاتلي جيش الاحتلال)، كما تقترح خريطة غزة المُتخيلة استبدال اسم "حي الزيتون" بـ"شيفات تسيون".
من بين المستوطنات التي يدعو المؤتمر لإنشائها، مستوطنة في مدينة رفح الواقعة على الحدود مصر، اسمها "حصيد لعلافيم"، وستكون مخصصة لـ"مجتمع الحريدي"، الطائفة اليهودية المتشددة، التي تدعم الأحزاب اليمينية التي تُعد جزءاً رئيسياً في الحكومة الإسرائيلية الحالية.
رئيسة حركة "ناحالا" الاستيطانية المتطرفة، دانييلا فايس التي تُعد من أبرز المنظمين للمؤتمر، وأبرز قادة الاستيطان، قالت في تصريح لشبكة "ABC News" الأمريكية، إن "الخريطة تتصور مستقبلاً يكون فيه قطاع غزة بأكمله جزءاً من دولة إسرائيل"، بحسب تعبيرها.
وخلال المؤتمر عرض المنظمون شريط فيديو يظهر جنوداً من قوات الاحتلال في غزة، يدعونهم إلى العودة والاستيطان في القطاع، ومن بين ما يقوله الجنود في الفيديو: "نحن ندمر من أجل البناء"، بحسب تعبيرهم.
المتطرفون الداعون لإعادة الاستيطان
وتبيّن تحركات المسؤولين عن تنظيم المؤتمر، أنهم بدأوا في خطة ممنهجة منذ بدء الحرب لاستغلال الهجوم على غزة، بهدف إحياء حلم قديم لدى الإسرائيليين في العودة إلى "غوش قطيف".
حشد لهذا المؤتمر 41 منظمة تعمل من أجل الاستيطان في غزة، ومن أبرز المسؤولين عن تنظيم المؤتمر رئيس مجلس السامرة (الاستيطاني) يوسي دغان، ورئيسة حركة "ناحالا"، دانييلا فايس.
تُشير تحركات هذه المنظمات إلى أن المتطرفين الإسرائيليين يعملون بطريقة ممنهجة ومدروسة ومقسمة على مراحل، ويستغلون غياب رؤية واضحة لنتنياهو لغزة ما بعد الحرب، وعدم وجود ضغط دولي على حكومة الاحتلال للإفصاح عن رؤيتها للوضع الذي ستقبله إسرائيل في غزة في حال انتهت الحرب، وذلك في وقت لا يزال فيه الفلسطينيون بالقطاع يؤكدون استمرار دفاعهم عن غزة ورفضهم لمغادرتها.
تُشير صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، إلى أن كلاً من فايس ودغان يعملان على "غرس فكرة الاستيطان في قطاع غزة بنفوس المسؤولين"، ويهدفان من ذلك، أن يتمكنوا لاحقاً من الترويج لقوانين تساعد على إنشاء المستوطنات، مثل إلغاء قانون "فك الارتباط".
قبل بدء المؤتمر، أجرت فايس زيارات للكنيست على مدار 3 أيام متتالية، والتقت بوزراء وأعضاء بالكنيست للدفع بفكرة الاستيطان في غزة، ومن أجل الهدف نفسه يتحرك دغان أيضاً الذي يُعتبر من الشخصيات القوية في حزب "الليكود" الذي يقوده نتنياهو.
وكجزء من خطة المتطرفين الإسرائيليين للاستيطان في غزة، كانت قد عُقدت مؤتمرات في مستوطنات أسدود وسديروت و"جفعات واشنطن"، شبيهة بالمؤتمر الذي عُقد بالقدس.
ويوجه دغان وفايس -اللذان يتقنان اللغة الإنجليزية- أفكارهما للمجتمع الغربي، وكانا قد دعَوَا عدداً كبيراً من وسائل الإعلام الأجنبية لحضور المؤتمر.
كانت فايس خلال وبعد مؤتمر الاستيطان، واضحة جداً في دعواتها لتنفيذ تطهير عرقي لسكان غزة وتجويعهم بهدف إخراجهم من أراضيهم، وقالت في تصريحاتها لوسائل إعلام أجنبية إن سكان غزة سيرحلون عن القطاع في "حال حرمناهم من الطعام".
في تصريحات أخرى نقلتها صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قالت فايس: "هناك احتمالان يوجدان على الأجندة، إما أن تصبح غزة يهودية ومزدهرة، وإما أن تعود لتكون عربية وقاتلة"، وقالت أيضاً إن "الانتصار الحقيقي الوحيد في الحرب، سيكون العودة إلى أراضي أجدادنا"، بحسب تعبيرها وزعمها.
أثار هذا المؤتمر انتقادات واسعة من قبل الفلسطينيين ومن قبل دول غربية، وفيما أيده مسؤولون إسرائليون متطرفون، أبدى بعض الإسرائيليين رفضهم له، وقالوا إن هذا المؤتمر يعقد من جهود التوصل إلى اتفاق يفضي إلى الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين في القطاع.
في مقابل انعقاد هذا المؤتمر لا يزال الفلسطينيون في قطاع غزة يواصلون مواجهة جيش الاحتلال في معارك مستمرة منذ يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ويؤكدون على تمسكهم بأرضهم ورفضهم إعادة احتلاله من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي يتخذ أساليب عدة لجعل الحياة صعبة في غزة، والذي يواصل حصده للأرواح، فحتى اليوم الجمعة 2 فبراير/شباط 2024، وصل عدد الشهداء بالقطاع إلى 27 ألفاً و19 شهيداً.