قم بمشاركة المقال
حظيت المدارس المسيحية في مصر بشهرة واسعة لما قدمته للمصريين، سواء كانوا مسيحيين ومسلمين على مدار 177 عاماً من مستوى تعليمي وتربوي عالٍ، لكن يبدو أن الأزمة الاقتصادية ألقت بظلالها على تلك المدارس أيضاً، ولكي تحافظ على استمراريتها اتجه بعضها إلى الربحية واتخذت إجراءات وصفها البعض بأنها "طبقية"، فالمتقدم إليها لا بد أن يكون ابن "فلان" أو من الأثرياء ليدفع تبرعات نقدية كبيرة، ويحجز مكاناً تحت سقفها.
شروط أدخلت نهلة محمد في حالة من الاكتئاب، بعدما علمت أن مدرسة الراهبات التي تدرس فيها إحدى بناتها الثلاث لن تأخذ أخواتها، وهو النظام المطبَّق بالمدرسة العتيقة منذ عقود طويلة.
اقرأ أيضاً
تقول الأم إن فرصة دخول ابنتها الثانية كانت مضمونة، لكن الآن تسعى للحصول على تأشيرة من وزير التعليم أو المحافظ، بعدما نصحها بذلك أحد القساوسة بالمدرسة، فهناك مصالح مشتركة بينهما وبين تلك المدارس تجعل الأخيرة تتغاضى عن الشروط التعجيزية التي تضعها أمام أولياء الأمور والمتقدمين الجدد لتكون مبرراً لعدم قبولهم.
تؤكد السيدة أن شروط الالتحاق بالمدارس المسيحية صارمة ومعقدة، ولا تشمل الطالب فقط، بل أسرته أو القائم على رعايته، ويتم عمل مقابلات، وكشف هيئة، واختبارات تعجيزية للأطفال بمفردهم، لكن تلك الاشتراطات لم تكن تطبَّق مسبقاً، ولم يعد أمام الأسر إلا محاولة الحصول على تأشيرة من مسؤول كبير، أو رجل أعمال ذائع الصيت، أو رئيس تحرير مقرَّب من الأجهزة ويدعم تلك المدارس بنشر أخبارها.
أبناء القرى ممنوعون
لم تكن مشكلة البحث عن الواسطة فقط، لكن في الطريقة التي تحدَّث بها القائمون على إدارتها، وظهر ذلك جلياً في ردهم على من يسحبون استمارات التقديم لأبنائهم.
ومنذ أيام تفاجأ أولياء الأمور بمدرسة السلام الإنجيلية الخاصة بمحافظة الإسماعيلية، بوضعها شروطاً للالتحاق بمرحلة رياض الأطفال، إذ نص البند الثالث من الشروط على "استبعاد أبناء الضواحي بنطاق المحافظة وأن يكون الوالدان حاصلين على مؤهل عالٍ".
اقرأ أيضاً
أيمن سعيد، موظف إداري بمصلحة النقل العام، استنكر تلك الاشتراطات قائلاً لـ"عربي بوست" إنها تدعو إلى عنصرية دون داعٍ، مؤكداً أن عدم تبعية تلك المدارس لإدارة تعليمية إلا شكلياً، جعلهم تحت رحمة مديريها وأهوائهم الشخصية، وهذا أمر صادم.
يستكمل ولي الأمر: عدم حصولي على مؤهل عالٍ لا يعني حرمان ابني أو ابنتي من فرصة تعليم أفضل، وجهلي باللغة الإنجليزية لا يعني أن يُحرم أولادي من دخول مدرسة تدرِّسها، مشيراً إلى أن سبب تمسكه بمدرسة مسيحية هو مصروفاتها المنخفضة نسبياً، مقارنة بمثيلاتها من المدارس الخاصة.
اقرأ أيضاً
وحين أبدى الموظف استياءه من الشروط، قال له صحفي يعمل مندوباً لوزارة التربية والتعليم: "من غير الشروط أيضاً لن يتم القبول، أنت بتحلم، دى مدارس أولاد الوزراء والأكابر ولازم تحصل على تأشيرة من رئيس الوزراء شخصياً"، وختم حديثه ضارباً كفيه ببعضهما: "أشكو لمن؟ كله ماشي بالواسطة والمحسوبية".
فنانون ودبلوماسيون تخرَّجوا من المدارس المسيحية في مصر
تخرَّج في المدارس الكنسية أسماء شهيرة أمثال د. عصمت عبدالمجيد الأمين العام الأسبق للجامعة العربية، والفنان رشدي أباظة، ودودي الفايد نجل الملياردير محمد الفايد، ورشيد محمد رشيد، وزير الصناعة الأسبق، ورئيس وزراء مصر السابق المهندس إبراهيم محلب، ويوسف بطرس غالي، ومنير فخري عبد النور، ونيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعي الحالية، ومن الفنانين: هشام سليم، وإلهام شاهين، والمخرج رامي إمام والمخرجة ساندرا نشأت، والمطرب حكيم وغيرهم.
ونشر بعض أولياء الأمور استغاثات على مواقع التواصل الاجتماعي، استنكروا فيها استبعاد أبنائهم من الالتحاق بالمدارس قبل حتى إجراء المقابلات معهم، لمجرد أن أحد الوالدين حاصل على مؤهل متوسط أو أنهم من أبناء القرى.
تلك الاستغاثات جعلت إدارة المدرسة تحذف الشرط الثالث الذي ينص على "أن يكون من سكان مدينة الإسماعيلية نفسها دون الضواحي"، لكن أولياء الأمور أكدوا أن ذلك إجراء شكلي للتهدئة، بينما الحقيقة أنهم يسمحون لهم بسحب استمارة ودفع الرسوم، ثم يخبرونهم بأن أطفالهم لم يتم قبولهم لرسوبهم في الاختبارات.
التبرعات إجبارية وتتعدى المصروفات الرسمية
المشكلة الأكبر التي تؤرق أولياء الأمور هي ما يتم تداوله عن تبرعات بمبالغ تفوق المصروفات الرسمية تطلبها المدرسة حال قبول أبنائهم كشرط لاستكمال التسجيل.
مبالغ تقول نورهان القاضي، وهي طبيبة تحدثنا إليها، إنه ليس بمقدورها دفعها، لأنها لا تتقاضى أكثر من 4 آلاف جنيه شهرياً، ولديها بنتان، إحداهما في الصف السادس بمدرسة راهبات بشارع رمسيس وسط العاصمة المصرية.
تقول الطبيبة إن هذا التقليد جديد، لأنها من خريجات المدرسة، ولم يكن على أيامها تبرعات ضخمة بهذا القدر، وحتى أيام التقديم لابنتها الكبيرة كان التبرع اختيارياً، ولم يتسنَّ لها التأكد من المعلومة، ولم تسأل إدارة المدرسة خشية أن "يتصيدوا" لصغيرتها ويرفضوها.
رصد "عربي بوست" حقيقة ما يتم تداوله عن التبرعات، حيث توسعت إدارات تلك المدارس في تطبيق ما أطلقوا عليه المشاركة المجتمعية، وهي تبرعات باتت إجبارية بعد القبول كشرط لاستكمال إجراءات التسجيل.
وتحولت المبالغ الرمزية التي كانت تدفع في السنوات الماضية إلى آلاف الجنيهات، بل تفوق المصروفات الرسمية في بعض المدارس، وعلى سبيل المثال في مدرسة الأرمن الكاثوليك المصروفات الرسمية هي 13500، بينما التبرعات تصل إلى 15000 تحت بند مساعدة في الإنشاءات ويتضاعف المبلغ إلى أربعة أمثاله إذا تم استثناء الطالب من شروط التقديم، كما قال أولياء أمور لـ"عربي بوست".
وهناك مدارس يتفاوض المدير المالي -بشكل غير رسمي- على مبالغ مالية كبيرة جداً لدخول الطالب، لكن إن كان بوساطة قسيس يتم عمل تخفيض له، كما يقول ولي أمر الطالب يوسف.
يستكمل ولي الأمر أن بعض المدارس ذكرته بمستشفيات الجيش والشرطة، أبناؤهم لا يدفعون، بينما المدنيون يحتاجون لوساطة للدخول، وهكذا المدارس المسيحية يتعاطفون مع فقراء الأقباط، ويعفون بعضهم من التبرعات، بينما لا يتعاملون بالمثل مع المسلمين، مشيراً إلى أنه دفع مبلغ 20 ألف جنيه، لكي يمر ابنه من "الإنترفيو" وينتظر النتيجة، وفي حالة القبول سيتبرع بثلاثة تكييفات للمدرسة، فضلاً عن مبلغ مالي يتم التبرع به لصندوق تحيا مصر كما أبلغته الإدارة.
أما عن دور وزارة التربية التعليم، أو الإدارة التعليمية التابعة لها المدرسة، في تحجيم تلك المخالفات، فقد كشف أحد الموظفين بالإدارة التعليمية لـ"عربي بوست" أن تلك المدارس تدر دخلاً للوزارة، لذلك تتغاضى عن المخالفات التي تنتهجها، مشيراً إلى أن الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية تجمع اتحاداً يدفع اشتراكاً سنوياً لوزارة التربية والتعليم 1% من مصاريف التلاميذ سنوياً.
وجهة نظر مها عثمان، وهي أم لثلاثة أبناء، أن ما تدفعه من تبرعات بالإضافة للمصروفات الدراسية سيكون أقل بكثير مما تطلبه المدارس الخاصة الأخرى، فضلاً عما تتميز به تلك المدارس من سمعة طيبة، لما تقدمه من مستوى تعليمي وتربوي، بالإضافة إلى اهتمامها بالأنشطة المختلفة في ظل تردي أوضاع المدارس الحكومية، والارتفاع الجنوني لمصروفات مدارس اللغات والمدارس الدولية.
رسوم استمارات غير مستردَّة في حال عدم القبول
رصد "عربي بوست" توافد أولياء الأمور، مسلمين ومسيحيين، على تلك المدارس المنتشرة بالمحافظات المصرية لسحب استمارات التقديم، مع دفع رسوم غير مستردة في حال عدم القبول، تصل في بعض المدارس إلى 2750 جنيهاً، ويستمر ذلك حتى نهاية يونيو/حزيران ويتقدم للمدرسة الواحدة آلاف الطلبة وبعدها يتم تنسيق داخلي، وتعلَن نتيجة المقبولين بتلك المدارس في شهر يوليو/تموز، وبعض المتقدمين ينتظرون التنسيق الثاني، ويتم إعلان نتيجته في أغسطس/آب.
ومن آلاف المتقدمين يتم قبول مئات، كما قالت راهبة بإحدى المدارس لـ"عربي بوست"، بينما الآخرون يذهبون إلى مدارس أخرى، أو ينتظرون عاماً آخر، ربما يكون حظهم أوفر.
مشيرين إلى أنهم يقدمون لأبنائهم في مدرستين أو ثلاث على أمل اقتناص مكان في واحدة منها، وفي كل مدرسة يدفع ولي الأمر رسوماً كبيرة للتقديم، ويمكن أن ينتهي به الأمر إلى ألا يُقبل في أي مدرسة منها.
المدارس تستغل الوضع لفرض شروطها
يشير أحد الموظفين بإدارة الوايلي التعليمية إلى أن المدارس المسيحية بشكل عام، والراهبات بشكل خاص، عليها نسبة إقبال مرتفعة جداً، وفي خضم الأزمة الاقتصادية، وارتفاع مصروفات المدارس الخاصة إلى مبالغ خيالية، وجدت إدارات المدارس الكنسية أولياء الأمور هدفاً سهلاً لجمع مزيد من التبرعات، وفرض شروطهم بأريحية، لثقتهم أن ولي الأمر سيقبل أي شرط لإلحاق ابنه بالمدرسة.
ويلفت الموظف إلى أن تلك المدارس اعتمدت على الصيت والشهرة، وكانت بالفعل تتميز عن المدارس الأخرى بالجودة والتربية والتعليم، لكن هناك شكاوى كثيرة تقدم بها أولياء أمور لهم أبناء فيها.
المبرر لدى أغلب مديري المدارس الذين تحدّث إليهم "عربي بوست" هو أن مصروفاتها أقل من المدارس الخاصة، وهذه التبرعات للحفاظ على المنشآت وصيانتها، وعندما سألنا القس بيتر، ويعمل مدرساً ومديراً مالياً في الوقت نفسه عن مصير رسوم استمارات التقديم قال إنها لا تسترد؛ لأنها مقابل مجهود قامت به إدارة المدرسة للفرز والتصحيح، فضلاً عن الجهد الذي تقوم به المدرسات لعمل اختبارات لقياس قدرات المتقدمين.
يشير القس إلى أن أسعار المدارس ومصروفاتها تعتبر رمزية، وعن رفع المصروفات لأكثر من 70% أكد أن غلاء الأسعار في البلد يجعل من الصعوبة على أي مدرسة استكمال مسيرتها دون رفع مصروفاتها، فلا علم جيداً بلا دفع، ولكنها تبقى أقل من نظرائها من المدارس الخاصة، خاصة أن هناك مدارس جعلت مصروفاتها بالدولار.
لم ينفِ القس ارتفاع قيمة المصروفات وفرض التبرعات في بعض المدارس، مقارنة بالأعوام الماضية، لكنه أرجع ذلك إلى زيادة تكلفة تشغيل المدارس، مما يتسبب لها في مشاكل مالية لتغطية أجور المعلمين الذين يتم انتقاؤهم بعناية فائقة على أعلى المستويات، ويتم تدريبهم أكاديمياً ومهارياً ونفسياً، وهؤلاء يطلبون رواتب كبيرة، خاصة من يعملون بأقسام اللغات أو الأقسام الدولية.
ويشير القس إلى أن تلك المدارس لها أمانة عامة تشرف عليها مالياً وتتلقى التبرعات والمنح الخارجية، مثل أمانة سنودس النيل الإنجيلي الخاصة بالبروتستانت، وهناك الأمانة العامّة للمدارس الكاثوليكيّة، والتي تجمع وتنسّق بين أغلب المدارس الكاثوليكية على مستوى الجمهورية، وتضم آلاف الطلاب المسلمين والمسيحيين.
ويؤكد أن المدارس تحاول الانفتاح على الآخر من خلال مشاريع مدنية، فضلاً عن أنها تعمل على ترسيخ قيم اندثرت من المجتمع، ويضرب مثلاً بمدرسة سان جوزيف للراهبات، التي يضم مبناها شجرة للقيم تتربى الطالبات عليها منذ اليوم الأول لهن فيها، ويلفت القس إلى أن هناك مدارس لا تضع أي شروط لالتحاق الطلاب بها سوى المقابلة الشخصية مع الوالدين، أما شرط إجادتهما اللغة الأجنبية فيبرره بقوله "لكي يتمكنوا من متابعة الطالب فى المنزل".
الدعم .. حصان طروادة
لم تكن هذه المبررات مقنعة لأولياء الأمر، مشيرين إلى أن الحكومة لا تتصدى لهم ولا تراقبهم؛ خوفاً من غضب من يدعمونها على كافة المستويات، وتساءلوا: أين تذهب المعونات التي تأخذها تلك المدارس من الخارج؟
يقول جورج حنا، وكان مشرفاً بإحدى المدارس المسيحية إن المدارس تتلقى دعماً خارجياً حتى تستطيع البقاء على مستوى الجودة والسمعة التي ميزتها من عقود، ويعد هذا الدعم حصان طروادة بالنسبة للداعمين لإبقاء نفوذهم في البلاد، وتحجيم المذاهب الأخرى (الأرثوذكس، البروتستانت، الكاثوليك) خوفاً من التبشير وجذب أبناء طائفة لمذهب آخر.
وقبل أسابيع قليلة من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي انعقدت في العاشر من أبريل/نيسان الماضي، قرر الرئيس إيمانويل ماكرون مضاعفة دعم فرنسا المرصود للمدارس المسيحية في المنطقة العربية والشرق الأوسط، معللاً ذلك بكونه "التزاماً علمانياً تاريخياً" للجمهورية ويشكل "استجابة لضرورة عدم التخلي عن النضال من أجل الثقافة والتعليم والحوار في هذه المنطقة المضطربة".
وأعلن ماكرون في 2 فبراير/شباط 2022 أثناء لقائه مع نشطاء مسيحيين يتولون مهمة دعم المسيحية والمسيحيين في المنطقة العربية أن الدولة الفرنسية وجمعية "أوفر دوريان" ستضاعفان معاً مساهماتهما في صندوق دعم مدارس الشرق، برفعها إلى 4 ملايين يورو، وأنه سيتم مضاعفة المبالغ المالية للصندوق الذي أنشئ في يناير/كانون الثاني 2020، ووفقاً لما نشرته "وكالة الأنباء الفرنسية" فقد دعم عام 2021 قرابة 174 مدرسة مسيحية، بينها 129 في لبنان، و16 في مصر، و20 في الأراضي الفلسطينية، و3 في الأردن.
تاريخ عريق وصراع مذهبي
تحدثت كتابات كثيرة على أن الهدف الأساسي من إنشاء المدارس هو التبشير وتحويل الأقباط الأرثوذكس إلى المذهب البروتستانتي أو الكاثوليكي، وليس فقط تحويل المسلمين إلى مسيحيين.
ففي النصف الأول من القرن التاسع عشر، شهد المجتمع المصري تشييد مدارس من جانب إرساليات دينية مسيحية أوروبية وأمريكية، وزادت في عهد الخديوي سعيد (1854 – 1863) ومن بعده الخديوي إسماعيل (1863 – 1879) بسبب رغبتهم في الانفتاح على الغرب.
واستثمرت الإرساليات الفرنسية المنح والإعفاءات العقارية والجمركية التي تمنحها الحكومة المصرية للإرساليات في بناء مدارسها الكاثوليكية ويطلق عليها مدارس الراهبات أو الرهبان، وهما من يديرونها ويرجع تاريخها إلى أكثر من 175 عاماً ولعبت دوراً مهماً في مجال التعليم، ويبلغ عددها 168 مدرسة، وتتنوع إدارة تلك المدارس بين عدد من الهيئات والجهات الكاثوليكية مثل رهبنة الآباء اليسوعيين الجزويت، وجمعية الصعيد للتنمية، وعدد من الرهبانيات الأخرى التابعة للكنيسة الكاثوليكية.
من بين الإرساليات الفرنسية التي أسست مدارس دينية إرساليات "راهبات الراعي الصالح"، حيث افتتحت أول مدرسة كاثوليكية للبنات في القاهرة سنة 1845، وحملت اسم راهبات الراعي الصالح، وهناك مدارس الآباء الجزويت، مثل مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة (1889)، وهناك "راهبات سيدة الرسل"، و"راهبات القلب المقدس"، و"راهبات قلب يسوع"، وفي عام 1905 أنشأت جماعة الفرير التبشيرية مدارس في مختلف المحافظات، مثل كلية "دي لاسال" في حي الظاهر بالعباسية وكلية "سان مارك" بالإسكندرية التي أنشئت (1928).
وقامت الإرسالية التابعة للكنيسة المشيخية بأمريكا، وهي جماعة اهتمت بالتعليم، بإنشاء أول مدارسها عام 1860 بالقاهرة، وسرعان ما نجحت نجاحاً كبيراً دفع المسؤولين عنها إلى إنشاء غيرها من المدارس في أنحاء كثيرة في مصر. ثم أقامت الكنيسة الإنجيلية أقدم مدرسة في صعيد مصر في مارس/آذار 1865، وهي كلية أسيوط الأمريكية. وفي السنوات الأخيرة للقرن التاسع عشر أُنشِئت كلية رمسيس للبنات تحت اسم كلية الإرسالية الأمريكية للبنات، ثم تحول اسمها إلى الكلية الأمريكية للبنات، وفي عام 1967، ولأسباب سياسية، تغير اسمها إلى كلية رمسيس للبنات، نسبة إلى الشارع الذي تقع فيه الكلية.
أما المدارس التابعة للكنيسة الإنجيلية، فعددها 60 مدرسة، للمدارس أمانة عامة مسؤولة عن إدارتها تابعة للمجمع الأعلى للكنيسة "سنودس النيل الإنجيلي".
وفي حوار مع القس داوود نصر، عضو المجلس الملي العام للطائفة الإنجيلية، أكد أن الكنيسة الإنجيلية في مصر اهتمت منذ تأسيسها بالتعليم، خاصة تعليم البنات، وتوسعت في إنشاء مدارسها حتى وصل عدد المدارس في الدلتا سنة 1904 إلى 135 مدرسة، بالإضافة إلى 250 مدرسة تم إلحاقها بالكنائس المحلية، والكثير سُلم إلى وزارة التربية والتعليم سنة 1962، حين عجزت الكنيسة عن الإنفاق عليها.
يشير الباحث القبطي كمال زاخر، مؤسس التيار العلماني في مصر، إلى أن مدارس الإرساليات كانت مكاناً للأثرياء من الأقباط وكبار الدولة، لما تميزت به من علم وانفتاح على ثقافات عديدة.
فضلاً عن أنها أتاحت الإنجيل مطبوعاً ومترجماً باللغة العربية في الوقت الذي قدمته الكنيسة الأرثوذكسية لرعاياها باللغة القبطية، باستثناء نسخ قليلة بالعربية بخط اليد، وكانت الكنيسة منغلقة، وبسبب تراجع دورها وعدم توافق تعاليمها الدينية مع روح العصر، تحولت بعض العائلات الكبيرة من الأرثوذكسية إلى البروتستانتية.
اتجهت الكنيسة الأرثوذكسية، إلى التطوير، وقامت بإنشاء مدارس تابعة لها حملت اسم "الإيمان"، وبعضها حمل اسم "التوفيق"، ووصل عدد المدارس الأرثوذكسية الآن إلى 50 مدرسة تابعة لـ"الإيبارشيات" المختلفة، وهناك مباحثات لعمل قطاع للعمل التربوي للكنيسة الأرثوذكسية ككل.