قم بمشاركة المقال
يمرض الذهب ولا يموت، هكذا يفتخر التجار في مصر بعودة الزحم حول معدنهم النفيس. يتهمون أطرافا حكومية بمحاولة الاستحواذ على سوق يظل عصيا على قدرة الأجهزة الأمنية والحكومات المتعددة، والهيمنة على سوقه، وحجم تجارته.
عاود الذهب ارتفاعه بالأسواق، بعد أن انطفأ بريقه لأيام معدودات، دفعت أسعاره للتراجع من مستوى 3000 جنيه لغرام الذهب عيار 21 الأكثر شهرة، إلى نحو 2280 جنيها، قبل أن يعاود الارتفاع أمس، عند حدود 2500 للغرام.
اقرأ أيضاً
وفي ظل أزمة اقتصادية طاحنة، تنشغل الأغلبية الساحقة من المصريين، الذين يعيش 60% منهم عند حافة الفقر وتحت مستواه وفقا للمقاييس الدولية، بالبحث عن دعم حكومي لشراء كيلو من السكر والزيت وقليل من الشاي والخبز، بينما تسعى فئة أخرى إلى الاستثمار في الذهب كمخزن لما بأيديهم من أموال، بعد أن أعياهم الجري وراء الدولار الشحيح ورغبة ملحة، في التخلص من الجنيه المتدهور.
تدخلت الحكومة خلال مطلع الأسبوع الثاني من مايو/ أيار الجاري، بمبادرة تسمح للمصريين العائدين من الخارج، بحمل أية كميات من الذهب.
وراهنت الحكومة على زيادة واردات الذهب مع المصريين العائدين من الخارج، عقب صدور قرار رئيس الوزراء الأسبوع الماضي، السماح بإعفاء أية أوزان وكميات من الرسوم الجمركية والدمغة، عدا ضريبة القيمة المضافة التي تمثل 14% من إجمالي قيمة فاتورة الشراء.
أحيل بعض العائدين من الخارج عقب صدور قرار رئيس الوزراء، 10 مايو/أيار الجاري، إلى النيابة فور عودتهم للبلاد محملين بالذهب، وإحالتهم للتحقيق بتهمة تجاوز الحدود المسموح بها للأفراد، لعدم صدور اللائحة التنفيذية، وصدرت تعليمات شفهية بتحصيل الضريبة المضافة، على السبائك وبعد احتساب قيمة المصنعية للمشغولات الذهبية، بما رفع إجمالي الضرائب.
اقرأ أيضاً
ويوضح تجار أن أسعار الذهب، تراجعت إلى القاع عند مستوى 2280 جنيهاً للغرام عيار 21، والجنيه الذهب 18 ألف و500 جنيه، يوم 20 مايو/ أيار الجاري، تأثرا بشائعات يطلقها كبار التجار الذين أرادوا دفع الناس إلى بيع ما لديهم من كميات، ليعيدوا جمع أكبر كمية من السوق من جديد.
أسرع صغار المستثمرين في الذهب إلى بيع ما لديهم من أساور ومشغولات، خوفا من انهيار قادم، بشرت به الحكومة، وسماسرة الذهب" القومسيونجية"، بينما اعتبرها أعضاء بالشعبة فرصة لتهدئة الأسواق، التي تصب في صالح كبار التجار الذين يبيعون السبائك، والتي أدت إلى غلق آلاف من ورش الصاغة، التي تحصل على عوائد من بيع المشغولات.
اقرأ أيضاً
يشير تجار إلى أن توجهات الحكومة بإغراق سوق الذهب، تستهدف تهدئة الطلب على الدولار، عبر فتح الاستيراد من الخارج، وتلاقت مع أهداف كبار التجار، الذين وجدوا في مناخ تحكمه الشائعات، فرصة للسيطرة على سعر الذهب لفترة طويلة، حيث قل إقبال صغار المستثمرين على شراء الذهب، وتوجهوا لاكتناز الدولار.
يبين تجار مشغولات ذهبية بوسط القاهرة، لـ"العربي الجديد" أنه، عندما تزايد الإقبال على الذهب، أصبحت قيمة الدولار في سوق الذهب تعادل 50 جنيها، بينما ارتفع في السوق الموازية من 37 إلى 41.5، وبعد المبادرة هبط إلى نحو 42 جنيها للدولار مقابل 36 جنيها بالسوق الموازي.
وأشاروا إلى أن المبادرة الحكومية دفعت بعض الأسر إلى بيع ما لديها من مصوغات خوفا من تراجعها، بينما توقع صغار التجار أن تتوازن الأسعار بعد فترة زمنية، تتحسن فيها حالة السوق، ويحدث التوازن بين العرض والطلب على الذهب.
أشار محللون إلى أن ارتفاع الفائدة على الدولار، نهاية الأسبوع الماضي، أدى إلى هبوط سعر أونصة الذهب عالميا، من مستوى 2019.2 دولارا بداية الأسبوع الماضي، إلى 1980 دولارا ظهر أمس، بينما زاد الإقبال على شراء الدولار، من قبل المستثمرين وتفضيل العائدين من الخارج والمواطنين لحيازته، بما أعاد الزخم حول أسعار بالسوق الموازية، ليصل إلى 39.6 جنيهاً للشراء و40.28 جنيهاً للبيع.
أكد محللو مال تأثر أسعار الذهب بالتقارير الدولية السلبية التي نشرتها مؤسسات بنكية ومالية حول زيادة الدين العام، وتراجع معدلات النمو مع ارتفاع معدلات خدمة الدين الأجنبي، ووجود احتمالات مؤكدة لانخفاض قيمة الجنيه مقابل العملات الحرة، أجلت الحكومة اتخاذها لحين انتهاء السنة المالية الجارية في 30 يونيو / حزيران المقبل.
يؤكد المحلل المالي، عمرو الألفي، أن المواطن أصبح في حاجة ماسة إلى استعادة الثقة بالجنيه المصري، وأن تسير الحكومة في اتجاه جديد، بدلا من سياسات التشدد النقدي التي تعتمد على خفض قيمة العملة، وهو الأمر الذي يراه مع كثير من المحللين السبب الرئيسي في ارتفاع معدلات التضخم، والتوجه نحو شراء الدولار أو التهافت على اكتناز الذهب.
يظل توافر الدولار في السوق الرسمية أمام المستثمرين والموردين أهم ورقة في مواجهة تزايد أسعار الذهب، وكافة السلع المحلية، وخاصة مستلزمات الإنتاج والسلع والآلات والمعدات والمعادن والحبوب والأعلاف والزيوت الواردة من الخارج.
ويطالب المستثمرون المحليون والأجانب بعائدات أعلى لديون الدولة المحلية والدولية، وسط مخاوف تراجع الجنيه.
تصارع الحكومة النقص الحاد في النقد الأجنبي، بينما يبحث المستثمرون عن الدولار في البنوك المحلية، فلا يجدونه، رغم تثبيت سعره عند حافة 31 جنيها مقابل الدولار، منذ 7 أسابيع متصلة.
وفقد الجنيه 50% من قيمته عام 2022، ونحو 22% منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، بما يدفع الزيادة في معدلات التضخم.